" صفحة رقم ١٢٨ "
جملة :( ثمانية أزواج ( حال من ) من الأنعام ( ( الأنعام : ١٤٢ ). ذكر توطئة لتقسيم الأنعام إلى أربعة أصناف الّذي هو توطئة للردّ على المشركين لقوله :( قل ءآلذكرين حرم أم الأنثيين إلى قوله أم كنتم شهداء أي أنشأ من الأنعام حمولة إلى آخره حالة كونها ثمانية أزواج.
والأزواج جمع زوج، والزوج اسم لذات منضمَّة إلى غيرها على وجه الملازمة، فالزّوج ثان لواحد، وكلّ من ذيْنِك الاثنين يقال له : زوج، باعتبار أنّه مضموم، وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى : وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجَنَّة في سورة البقرة ( ٣٥ )، ويطلق الزوج غالباً على الذّكر والأنثى من بني آدم المتلازمين بعقدة نكاح، وتوسّع في هذا الإطلاق فأطلق بالاستعارة على الذّكر والأنثى من الحيوان الّذي يتقارن ذكره وأنثاه مثل حمار الوحش وأتانه، وذكر الحمام وأنثاه، لشبهها بالزوجين من الإنسان. ويطلق الزّوج على الصنف من نوع كقوله تعالى : ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين في سورة الرّعد ( ٣ ). وكلا الإطلاقين الأخيرين صالح للإرادة هنا لأنّ الإبل والبقر والضأن والمعز أصناف للأنعام، ولأنّ كلّ ذلك منه ذكر وأنثى. إذ المعنى أنّ الله خلق من الأنعام ذكرها وأنثاها، فالأزواج هنا أزواج الأصناف، وليس المراد زوْجاً بعينه، إذ لا تعرف بأعيانها، فثمانية أزواج هي أربعة ذكور من أربعة أصناف وأربعُ إناث كذلك.
وقوله : من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ( أُبدل ) اثنين ( من قوله :( ثمانية أزواج ( قوله :( اثنين ( : بدلَ تفصيل، والمراد : اثنين منها أي من الأزواج، أي ذَكَرٌ وأنثى كلّ واحد منهما زوج للآخر، وفائدة هذا التّفصيل التوصّل لذكر أقسام الذّكور والإناث توطئة للاستدلال الآتي في قوله :( قل ءآلذكرين حرم أم الأنثيين ( الآية.
وسُلك في التّفصيل طريق التّوزيع تمييزاً للأنواع المتقاربة، فإنّ الضأن والمعز متقاربان، وكلاهما يذبح، والإبلَ والبقرَ متقاربة، والإبلُ
" صفحة رقم ١٢٨ "
آلة الخياطة المسمّى بالإبْرَة، والفِعال وَرَدَ اسماً مرادفاً للمِفعَل في الدّلالة على آلةِ الشّيء كقولهم حِزَام ومِحْزم، وإزار ومِئْزر، ولِحاف ومِلحَف، وقِناع ومِقنع.
والسَمّ : الخَرْت الذي في الإبرة يُدخل فيه خيط الخائط، وهو ثقب ضيّق، وهو بفتح السّين في الآية بلغة قريش وتضمّ السّين في لغة أهل العالية. وهي ما بين نجد وبين حدود أرض مكّة.
والقرآن أحال على ما هو معروف عند النّاس من حقيقة الجَمل وحقيقة الخِياط، ليعلم أنّ دخول الجمل في خَرْت الإبرة محال متعذّر ما داما على حاليهما المتعارفين.
والإشارة في قوله :( وكذلك ( إشارة إلى عدم تفتّح أبواب السّماء الذي تضمّنه قوله :( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة ( أي، ومثل ذلك الانتفاء، أي الحرمان نجزي المجرمين لأنّهم بإجرامهم، الذي هو التّكذيب والإعراض، جعلوا أنفسهم غير مكترثين بوسائل الخير والنّجاة، فلم يتوخّوها ولا تطلبوها، فلذلك جزاهم الله عن استكبارهم أن أعرض عنهم، وسدّ عليهم أبواب الخيرات.
وجملة ) وكذلك نجزي المجرمين ( تذييل يؤذن بأنّ الإجرام هو الذي أوقعهم في ذلك الجزاء، فهم قد دخلوا في عموم المجرمين الذين يجْزون بمثل ذلك الجزاء، وهم المقصود الأوّل منهم، لأنّ عقاب المجرمين قد شُبّه بعقاب هؤلاء، فعلم أنّهم مجرمون، وأنّهم في الرّعيل الأوّل من المجرمين، حتّى شُبِّه عقاب عموم المجرمين بعقاب هؤلاء وكانوا مثَلا لذلك العموم.
والإجرام : فعل الجُرْم بضمّ الجيم وهو الذنْب، وأصل : أجرم صار ذا جُرم، كما يقال : ألْبَنَ وأتمر وأخْصَب.
والمِهاد بكسر الميم ما يُمْهَد أي يفرش، و ( غواش ) جمع غاشية وهي مَا يغشى الإنسانَ، أي يغطّيه كاللّحاف، شبّه ما هو تحتهم من النّار