" صفحة رقم ١٤ "
وأنهم إن طمعوا في غير ذلك منه فقد طمعوا منكراً، فتقدير القول متعيّن لأنّ الكلام لا يناسب إلاّ أن يكون من قول النبي عليه الصلاة والسلام.
والفاء لتفريع الجواب عن مجموع أقوالهم ومقتَرحاتهم، فهو من عطف التّلقين بالفاء : كما جاء بالواو في قوله تعالى :( قال إنّي جاعلك للنّاس إماماً قال ومن ذريّتي ( ( البقرة : ١٢٤ )، ومنه بالفاء قوله في سورة الزمر ( ٦٤ ) :( قل أفغيرَ اللَّه تأمرونيَ أعْبُد أيّها الجاهلون فكأنّ المشركين دعوا النّبي إلى التّحاكم في شأن نبوءته بحكم ما اقترحوا عليه من الآيات، فأجابهم بأنّه لا يضع دِين الله للتّحاكم، ولذلك وقع الإنكار أن يحكِّم غير الله تعالى، مع أنّ حكم الله ظاهر بإنزال الكتاب مفصّلا بالحقّ، وبشهادة أهل الكتاب في نفوسهم، ومن موجبات التّقديم كون المقدّم يتضمّن جواباً لردّ طلب طلبَه المخاطب، كما أشار إليه صاحب الكشاف ( في قوله تعالى :( قل أغير الله أبغي رباً في هذه السورة ( ( الأنعام : ١٦٤ ). والهمزة للاستفهام الإنكاري : أي إن ظننتم ذلك فقد ظننتم مُنكراً.
وتقديم ) أفغير الله ( على ) أبتغي ( لأنّ المفعول هو محلّ الإنكار. فهو الحقيق بموالاة همزة الاستفهام الإنكاري، كما تقدّم في قوله تعالى :( قل أغير الله أتَّخذ وليّا في هذه السورة ( ١٤ ).
والحَكَم : الحاكم المتخصّص بالحكم الَّذي لا ينقض حكمه، فهو أخصّ من الحاكم، ولذلك كان من أسمائه تعالى : الحَكَم، ولم يكن منها : الحاكم. وانتصب حكما ( على الحال.
والمعنى : لا أطلب حكَماً بيني وبينكم غير الله الّذي حكم حُكمَه عليكم بأنَّكم أعداء مقترفون.
" صفحة رقم ١٤ "
يعسر السلوك فيه، ويستعار لِحالة النّفس عند الحزن والغضب والأسف، لأنّهم تخيّلوا للغاضب والآسِف ضيقاً في صدره لما وجدوه يعسر منه التّنفّس من انقباض أعْصاب مجاري النفَس، وفي معنى الآية قوله تعالى :( فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير ( ( هود : ١٢ ).
و ) لتنذر ( متعلّق ب ) أنزل ( على معنى المفعول لأجله، واقترانه بلام التعليل دون الإتيان بمصدر منصوب لاختلاف فاعل العامل وفاعِل الإنذار. وجعل الإنذار به مقدّماً في التّعليل لأنّه الغرض الأهم لإبطال ما عليه المشركون من الباطل وما يخلفونه في النّاس من العوائد الباطلة التي تُعاني أزالتها من النّاس بعدَ إسلامهم.
) ذكرى ( يجوز أن يكون معطوفاً على ) لتنذر به (، باعتبار انسباكه بمصدر فيكون في محلّ جرّ، ويجوز أن يكون العطف عطف جملة، ويكون ) ذكرى ( مصدراً بدلاً من فعله، والتّقدير : وذَكِّرْ ذكرى للمؤمنين، فيكون في محلّ نصب فيكون اعتراضاً.
وحذف متعلّق ) تنذر (، وصرح بمتعلّق ) ذكرى ( لظهور تقدير المحذوف من ذكر مقابله المذكور، والتّقدير : لتنذر به الكافرين، وصرح بمتعلّق الذّكرى دون متعلّق ) تنذر ( تنويها بشأن المؤمنين وتعريضاً بتحقِير الكافرين تجاه ذكر المؤمنين.
٣ ) ) اتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ).
بيان لجملة :( لتنذر به ( ( الأعراف : ٢ ) بقرينة تذييلها بقوله : قليلاً ما تذكرون. فالخطاب موجّه للمشركين ويندرج فيه المسلمون بالأولى، فبعد