" صفحة رقم ١٨ "
هذه الجملة معطوفة على جملة :( أفغير الله أبْتغي حَكَما ( ( الأنعام : ١١٤ ) لأنّ تلك الجملة مَقولُ قول مقدّر، إذ التّقدير : قل أفغير الله أبتغي حكماً باعتبار ما في تلك الجملة من قوله :( وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصّلاً ( ( الأنعام : ١١٤ ) فلمّا وصف الكتاب بأنّه منزّل من الله، ووصف بوضوح الدّلالة بقوله :( وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصّلاً ( ( الأنعام : ١١٤ ) ثمّ بشهادة علماء أهل الكتاب بأنَّه من عند الله بقوله :( والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنّه منزل من ربّك ( ( الأنعام : ١١٤ )، أعلَم رسوله عليه الصلاة والسلام والمؤمنين بأنّ هذا الكتاب تامّ الدلالة، ناهض الحجّة، على كلّ فريق : من مؤمن وكافر، صادق وعدُه ووعيده، عادل أمره ونهيه. ويجوز أن تكون معطوفة على جملة :( وجعلنا لكلّ نبيء عَدوّاً ( وما بينهما اعتراض، كما سنبيّنه.
والمراد بالتمام معنى مجازي : إمّا بمعنى بلوغ الشّيء إلى أحسن ما يبلغه ممّا يراد منه، فإنّ التّمام حقيقته كون الشّيء وافراً أجزاءه، والنقصان كونه فاقدا بعض أجزائه، فيستعار لوفرة الصّفات التي تراد من نوعه ؛ وإمّا بمعنى التّحقّق فقد يطلق التّمام على حصول المنتظر وتحقّقه، يقال : تَم ما أخبر به فلان، ويقال : أتم وعده، أي حقّقه، ومنه قوله تعالى :( وإذِ آبتلى إبراهيم رَبُّه بكلمات فأتَمَّهُن ( ( البقرة : ١٢٤ ) أي عمل بهنّ دون تقصير ولا ترخّص، وقوله تعالى :( وتمّت كلمة ربّك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ( ( الأعراف : ١٣٧ ) أي ظهر وعده لهم بقوله :( ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ( ( القصص : ٥ ) الآية، ومن هذا المعنى قوله تعالى :( والله متمّ نوره ( ( الصف : ٨ ) أي محقّق دينه ومثبتُه، لأنَّه جعل الإتمام في مقابلة الإطفاء المستعمل في الإزالة مجازاً أيضاً.
وقوله :( كلمات ربك ( قرأه الجمهور بصيغة الجمع وقرأه عاصم، وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف : كَلمة بالإفراد فقيل : المراد بالكلمات أو الكلمة القرآن، وهو قول جمهور المفسّرين،
" صفحة رقم ١٨ "
وقليل مستعمل في العدم على طريقة التّهكّم بالمضيع للأمر النّافع يقال له : إنّك قليل الإتيان بالأمر النّافع، تنبيهاً له على خطئه، وإنّه إن كان في ذلك تفريط فلا ينبغي أن يتجاوز حدّ التّقليل دون التّضييع له كلّه.
و ( ما ) مصدريّة والتّقدير : قليلاً تَذَكُّركم، ويجوز أن يكون ) قليلاً ( صفة مصدر محذوف دلّ عليه ) تذكرون ( و ( ما ) مزيدة لتوكيد القلّة، أي نوع قلّة ضعيف، نحو قوله تعالى :( أنْ يضرِبَ مثلا مَّا ( ( البقرة : ٢٦ ). وتقدّم القول في نظيره عند قوله تعالى :( فقليلاً ما يؤمنون ( في سورة البقرة ( ٨٨ ). والمعنى : لو تذكّرتم لما اتّبعتم من دونه أولياء ولما احتجتم إلى النّهي عن أن تتّبعوا من دونه أولياء، وهذا نداء على إضاعتهم النّظر والاستدلال في صفات الله وفي نقائص أوليائهم المزعومين.
وقرأ الجمهور :( ما تذّكرون ( بفوقية واحدة وتشديد الذال على أنّ أصله تَتَذكّرون بتاءين فوقيتين فقلبت ثانيتُهما ذالاً لتقارب مخرجيهما ليتأتى تخفيفه بالإدغام.
وقرأه حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف بتخفيف الذال على حذف إحدى التاءين اختصاراً. وقرأه ابن عامر :( يتذكّرون ( بتحتيّة في أوّله ثمّ فوقيّة، والضّمير عائد إلى المشركين على طريقة الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، أعرض عنهم ووجَّه الكلام على غيرهم من السّامعين : إلى النّبيء ( ﷺ ) والمسلمين.
٤، ٥ ) ) وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَآ إِلاَ أَن قَالُو
اْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ).