" صفحة رقم ٢٠ "
ويطلق الصّدق مجازاً على كون الشّيء كاملاً في خصائص نوعه.
والعدل : إعطاء من يستحقّ ما يستحقّ، ودفع الاعتداء والظلممِ على المظلوم، وتدبير أمور النّاس بما فيه صلاحهم. وتقدم بيانه عند قوله تعالى :( وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل في سورة النّساء ( ٥٨ ). فيشمل العدل كلّ ما في كلمات الله : من تدبير شؤون الخلائق في الدّنيا والآخرة.
فعلى التّفسير الأوّل للكلمات أو الكلمة، يكون المعنى : أن القرآن بلغ أقصى ما تبلغه الكتب : في وضوح الدّلالة، وبلاغة العبارة، وأنّه الصّادق في أخباره، العادل في أحكامه، لا يُعثر في أخباره على ما يخالف الواقع، ولا في أحكامه على ما يخالف الحقّ ؛ فذلك ضرب من التحدّي والاحتجاج على أحقّيّة القرآن. وعلى التّفسيرين الثّاني والثّالث، يكون المعنى : نفذ ما قاله الله، وما وَعَدَ وأوْعَد، وما أمر ونهى، صادقاً ذلك كلُّه، أي غير متخلّف، وعادلاً، أي غير جائر. وهذا تهديد للمشركين بأنْ سيحقُّ عليهم الوعيد، الّذي توعّدهم به، فيكون كقوله تعالى : وتمَّت كلمة ربّك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ( ( الأعراف : ١٣٧ ) أي تَمّ ما وعدهم به من امتلاك مشارق الأرض ومغاربها الّتي بارك فيها، وقوله :( وكذلك حقّت كلمات ربّك على الذين كفروا أنّهم أصحاب النّار ( ( غافر : ٦ ) أي حقّت كلمات وعيده.
ومعنى :( لا مبدل لكلماته ( نفي جنس من يبدل كلمات الله، أي من يبطل ما أراده في كلماته.
والتّبديل تقدّم عند قوله تعالى :( قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير من سورة البقرة ( ٦١ )، وتقدّم هناك بيان أنّه لا يوجد له فعل مجرّد، وأنّ أصل مادّته هو التّبديل.
والتّبديل حقيقته جعل شيء مكان شيء آخر، فيكون في الذّوات كما قال تعالى : يوم تُبدّل الأرض غير الأرض ( ( إبراهيم : ٤٨ ) وقال النّابغة :
" صفحة رقم ٢٠ "
والفاء في قوله :( فجاءها بأسنا ( عاطفة جملة :( فجاءها بأسنا ( على جملة :( أهلكناها (، وأصل العاطفة أن تفيد ترتيب حصول معطوفها بعد حصول المعطوف عليه، ولما كان مجيء البأس حاصلاً مع حصول الإهلاك أو قبلَه، إذ هو سبب الإهلاك، عسر على جمع من المسفّرين معنى موقع الفاء هنا، حتّى قال الفرّاء إنّ الفاء لا تفيد التّرتيب مطلقاً، وعنه أيضاً إذا كان معنى الفعلين واحداً أو كالواحد قدّمت أيّهما شئت مثل شتمني فأساء وأساء فشتمني. وعن بعضهم أنّ الكلام جرى على طريقة القلب، والأصل : جاءها بأسنا فأهلكناها، وهو قلب خلي عن النّكتة فهو مردود، والذي فسّر به الجمهور : أنّ فعل ( أهلكناها ) مستعمل في معنى إرادة الفعل كقوله تعالى :( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشّيطان الرّجيم ( ( النحل : ٩٨ ) وقوله :( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ( ( المائدة : ٦ ) الآية أي فإذا أردت القراءة، وإذا أردتم القيام إلى الصّلاة، واستعمال الفعل في معنى إرادة وقوع معناه من المجاز المرسل عند السكاكي قال : ومن أمثلة المجاز قوله تعالى :( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ( ( النحل : ٩٨ ) استعمل ) قرأت ( مكان أردت القراءة لكون القراءة مسبّبة عن إرادتها استعمالاً مجازياً بقرينة الفاء في ) فاستعذ بالله (، وقولُه :( وكم من قرية أهلكناها ( في موضع أردنا إهلاكها بقرينة ) فجاءها بأسنا ( والبأس الإهلاك.
والتّعبير عن إرادة الفعل بذكر الصّيغة التي تدلّ على وقوع الفعل يكون لإفادة عزم الفاعل على الفعل، عزماً لا يتأخّر عنه العمل، بحيث يستعار اللّفظ الدّال على حصول المراد، للإرادة لتشابههما، وإمّا الإتيان بحرف التّعقيب بعد ذلك فللدّلالة على عدم التّريّث، فدلّ الكلام كلّه : على أنّه تعالى يريد فيخلق أسباب الفعل المراد فيحصل الفعل، كلّ ذلك يحصل كالأشياء المتقارنة، وقد استفيد هذا التّقارن بالتّعبير عن الإرادة بصيغة تقتضي وقوع الفعل، والتّعبير عن حصول السّبب بحرف التّعقيب، والغرض من ذلك تهديد السّامعين المعاندين وتحذيرهم من أن يحلّ غضب