" صفحة رقم ٢٢ "
تجد لِسُنَّتِ الله تبديلاً ولن تجد لِسُنَّتِ الله تحويلاً ( ( فاطر : ٤٣ ) فتكون هذه الآية في معنى قوله :( ولقد كُذّبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات الله ( ( الأنعام : ٣٤ ). ففيها تأنيس للرسول ( ﷺ ) وتطمين له وللمؤمنين بحلول النّصر الموعود به في إبَّانه.
وقوله :( وهو السميع العليم ( تذييل لجملة :( وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته ( أي : وهو المطّلع على الأقوال، العليم بما في الضّمائر، وهذا تعريض بالوعيد لمن يسعى لتبديل كلماته، فالسّميع العالم بأصوات المخلوقات، الّتي منها ما توحي به شياطين الإنس والجنّ، بعضهم إلى بعض، فلا يفوته منها شيء ؛ والعالم أيضاً بمن يريد أن يبدّل كلمات الله، على المعاني المتقدّمة، فلا يخفى عليه ما يخوضون فيه : من تبييت الكيد والإبطال له.
والعليم أعمّ، أي : العليم بأحوال الخلق، والعليم بمواقع كلماته، ومَحَالّ تمامها، والمنظم بحكمته لتمامها، والموقت لآجال وقوعها.
فذكر هاتين الصّفتين هنا : وعيد لمن شملته آيات الذمّ السابقة، ووعد لمن أُمر بالإعراض عنهم وعن افترائهم، وبالتحاكم معهم إلى الله، والّذين يعلمون أنّ الله أنزل كتابه بالحقّ.
٦ ) ) وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى الاَْرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ).
أُعقِب ذكرُ عناد المشركين، وعداوتِهم للرسول ( ﷺ ) وولايتهم للشّياطين، ورضاهم بما توسوس لهم شياطين الجنّ والإنس، واقترافهم السيّئات طاعة
" صفحة رقم ٢٢ "
وجملة ) هم قائلون ( حال أيضاً لعطفها على ) بياتاً ( بأو، وقد كفى هذا الحرفُ العاطف عن ربط جملة الحال بواو الحال، ولولا العطف لكان تجرد مثل هذه الجملة عن الواو غير حسَن، كما قال في ( الكشاف )، وهو متابع لعبد القاهر.
وأقول : إنّ جملة الحال، إذا كانت جملة اسميّة، فإمّا أن تكون منحلّة إلى مفردين : أحدهما وصف صاحب الحال، فهذه تَجَرّدُها عن الواو قبيح، كما صرّح به عبد القاهر وحقّقه التفتزاني في ( المطوّل )، لأنّ فصيح الكلام أن يجاء بالحال مفردة إذ لا داعي للجملة، نحو جاءني زيد هو فارس، إذ يغني أن تقول : فارساً.
وأمّا إذا كانت الجملة اسميّة فيها زيادة على وصف صاحب الحال، وفيها ضمير صاحب الحال، فخلوها عن الواو حسن نحو قوله تعالى :( قلنا اهبطوا منها جميعاً بعضكم لبعض عدوّ ( ( طه : ١٢٣ ) فإنّ هذه حالة لكلا الفريقين، وهذا التّحقيق هو الذي يظهر به الفرق بين قوله :( بعضكم لبعض عدوّ ( ( طه : ١٢٣ ) وقولهم، في المثال : جاءني زيد هو فارس، وهو خير ممّا أجاب به الطيبي وما ساقه من عبارة ( المفتاح ) وعبارة ابن الحاجب فتأمّله. وعُلّل حذف واو الحال بدفع استثقال توالي حرفين من نوع واحد.
و ( أو ) لِتقسيم القُرى المهلَكة : إلى مهلكة في اللّيل، ومهلّكة في النّهار، والمقصود من هذا التّقسيم تهديد أهل مكّة حتّى يكونوا على وجل في كلّ وقت لا يدرون متى يحلّ بهم العذاب، بحيث لا يأمنون في وقت مَّا.
ومعنى :( قائلون ( كائنون في وقت القيلولة، وهي القائلة، وهي اسم للوقت المبتدىء من نصف النّهار المنتهي بالعصر، وفعله : قال يقيل فهو قائل، والمقيل الرّاحة في ذلك الوقت، ويطلق المقيل على القائلة أيضاً.
وخصّ هذان الوقتان من بين أوقات اللّيل والنّهار : لأنّهما اللّذان