" صفحة رقم ٢٦ "
في مسائل الخلاف يتطلّب مصادفة الصّواب باجتهاده، بتتبع الأدلة الشرعية ولا يزال يبحث عن معارض اجتهاده وإذا استبان له الخطأ رجع عن رأيه، فليس في طاعته ضلال عن سبيل الله لأنّ من سبيل الله طُرق النّظر والجدللِ في التفقّه في الدّين.
وقوله : يضلوك عن سبيل الله ( تمثيل لحال الدّاعي إلى الكفر والفساد مَن يَقْبَل قولَه، بحال من يُضلّ مستهديه إلى الطريق، فينعت له طريقاً غير الطّريق الموصّلة، وهو تمثيل قابل لتوزيع التّشبيه : بأنّ يشبّه كلّ جزء من أجزاء الهيئة المشبَّهة بجزء من أجزاء الهيئة المشبَّة بِها، وإضافة السبيل إلى اسم الله قرينة على الاستعارة، وسبيل الله هو أدلّة الحقّ، أو هو الحقّ نفسه.
ثمّ بيّن الله سبب ضلالهم وإضلالهم : بأنّهم ما يعتقدون ويدينون إلاّ عقائد ضالّة، وأدياناً سَخيفة، ظنّوها حقّا لأنّهم لم يستفرغوا مقدرة عقولهم في ترسُّم أدلّة الحقّ فقال :( إن يتبعون إلا الظن ).
والاتّباع : مجاز في قبول الفكر لما يقال وما يخطر للفكر : من الآرَاء والأدلّة وتقلّد ذلك. فهذا أتمّ معنى الاتّباع، على أنّ الاتّباع يطلق على عمل المرء برأيه كأنّه يتبعه.
والظنّ، في اصطلاح القرآن، هو الإعتقاد المخطىء عن غير دليل، الّذي يحسبه صاحبه حقّا وصحيحاً، قال تعالى :( وما يتّبع أكثرهم إلاّ ظنّاً إنّ الظنّ لا يغنى من الحقّ شيئاً ( ( يونس : ٣٦ ) ومنه قول النّبي ( ﷺ ) ( إيّاكم والظَّنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث ) وليس هو الظنّ الّذي اصطلح عليه فقهاؤنا في الأمور التّشريعية، فإنَّهم أرادوا به العلم الرّاجح في النّظر، مع احتمال الخطأ احتمالاً مرجوحاً، لتعسّر اليقين في الأدلّة التّكليفيّة، لأنّ اليقين فيها : إن كان اليقينَ المراد للحكماء، فهو متوقّف على الدّليل المنتهي إلى الضّرورة أو البرهان، وهما لا يجريان إلاّ في أصول مسائل التّوحيد، وإن
" صفحة رقم ٢٦ "
في نظائر هذه الآية، مثل قوله :( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم ( ( الأعراف : ٨٢ )، على أنّه قد قيل : إنّه لاطِّراد هذا الاعتبار مع المصدر المؤول من ( أن ) والفعل عِلَّة لفْظيّة : وهي كون المصدر المؤول يشبه الضّمير في أنّه لا يوصف، فكان أعرف من غيره، فلذلك كان حقيقاً بأن يكون هو الاسم، لأنّ الأصل أنّ الاعرف من الجُزأين وهو الذي يكون مسنداً إليه.
٦، ٧ ) ) فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ ).
الفاء في قوله :( فلنسألن ( عاطفة، لِترتيب الأخبار لأنّ وجود لام القسم علامة على أنّه كلام أنُفٌ انتقال من خبر إلى خبر، ومن قصة إلى قصة وهو انتقالٌ من الخبر عن حَالتهم الدنيوية إلى الخبر عن أحوالهم في الآخرة.
وأكّد الخبر بلام القسم ونون التّوكيد لإزالة الشكّ في ذلك.
وسؤال الذين أرسل إليهم سُؤال عن بلوغ الرّسالة. وهو سؤال تقريع في ذلك المحشر، قال تعالى :( ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين ( ( القصص : ٦٥ ).
وسؤال المرسلين عن تبليغهم الرّسالة سؤال إرهاب لأمُمِهم، لأنّهم إذا سمعوا شهادة رسلهم عليهم أيقنوا بأنّهم مسوقون إلى العذاب، وقد تقدّم ذلك في قوله :( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ( ( النساء : ٤١ ) وقوله ) يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم ( ( المائدة : ١٠٩ ).
و ) الذين أرسل إليهم (، هم أمم الرّسل، وعبّر عنهم بالموصول لما تدُلّ عليه الصّلة من التّعليل، فإن فائدة الإرسال هي إجابة الرّسل، فلا


الصفحة التالية
Icon