" صفحة رقم ٤٣ "
في شرحه على ( مشكل الجامع الصّحيح ). وجعل منه قوله ( ﷺ ) ( إنك إنْ تَدَعْ ورثتَك أغنياء خيرُ من أن تدعهم عالة ) على رواية إنْ بكسر الهمزة دون رواية فتح الهمزة.
٢ ) ) أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ).
الواو في قوله :( أو من كان ميتاً ( عاطفة لجملة الاستفهام على جملة :( وإن أطعتموهم إنَّكم لمشركون ( ( الأنعام : ١٢١ ) لتضمّن قوله :( وإن أطعتموهم ( أنّ المجادلة، المذكورة من قَبْلُ، مجادلة في الدّين : بتحسين أحوال أهل الشّرك وتقبيح أحكام الإسلام الّتي منها : تحريم الميتة، وتحريم ما ذُكر اسم غير الله عليه. فلمّا حَذر الله المسلمين من دسائس أولياء الشّياطين ومجادلتهم بقوله :( وإن أطعتموهم إنَّكم لمشركون ( ( الأنعام : ١٢١ ) أعقَب ذلك بتفظيع حال المشركين، ووصَفَ حسن حالة المسلمين حين فارقوا الشّرك، فجاء بتمثيلين للحالتين، ونفَى مساواة إحداهما للأخرى : تنبيها على سوء أحوال أهل الشّرك وحسننِ حال أهل الإسلام.
والهمزة للاستفهام المستعمل في إنكار تَماثل الحالتين : فالحالة الأولى : حالة الّذين أسلموا بعد أن كانوا مشركين، وهي المشبّهة بحال مَن كان ميّتاً مودَعاً في ظلمات، فصار حيّاً في نورٍ واضححٍ، وسار في الطّريق الموصّلة للمطلوب بين النّاس، والحالة الثّانية : حالةُ المشرك وهي المشبّهة بحالة من هو في الظلمات ليس بخارج منها، لأنَّه في ظلمات.
وفي الكلام إيجازُ حذففٍ، في ثلاثة مواضع، استغناء بالمذكور عن المحذوف : فقوله :( أو من كان ميتاً ( معناه : أَحَال مَن كان ميّتاً، أو صِفة مَن كان ميّتاً.
" صفحة رقم ٤٣ "
إلى ذلك بالطّبع دون اختيار ولا نظر، بحسب خصايص عنصرهم، ولذلك كان بلوغ الإنسان إلى الفضائل الملكيّة أعلى وأعجب، وكان مبلغه إلى الرّذائل الشّيطانيّة أحطّ وأسهل، ومن أجل ذلك خوطب بالتّكليف.
ولأجل هذا المعنى أمر الله الملائكة بالسّجود لآدم أصل النّوع البشري لأنّه سجود اعتراف لله تعالى بمظهر قدرته العظيمة، وأمر إبليس بالسّجود له كذلك، فأمّا الملائكة فامتثلوا أمر الله ولم يعلموا حكمته، وانتظروا البيان، كما حكى عنهم بقوله : قالوا سبحانك لا عِلْم لنا إلا ما علمتنا إنّك أنت العليم الحكيم ( ( البقرة : ٣٢ ) فجاءهم البيان مجملاً بقوله :( إنّي أعلَمُ ما لا تعلمون ( ( البقرة : ٣٠ ) ثمّ مفصّلا بقصّة قوله :( ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ( ( البقرة : ٣١ ) إلى قوله ) وما كنتم تكتمون في سورة البقرة ( ٣٣ ).
وقد عاقبه الله على عصيانه بإخراجه من المكان الذي كان فيه في اعتلاء وهو السّماء، وأحل الملائكة فيه، وجعله مكاناً مقدّساً فاضِلاً على الأرض فإنّ ذلك كلّه بجعل آلهي بإفاضة الأنوار وملازمة الملائكة، فقال له : فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها ).
والتّعبير بالهبوط إمّا حقيقة إن كان المكان عالياً، وإمّا استعارة للبعد عن المكان المشرّف، بتشبيه البُعد عنه بالنّزول من مكان مرتفع وقد تقدّم ذلك في سورة البقرة.
والفاء في جملة :( فاهبط ( لترتيب الأمر بالهبوط على جواب إبليس، فهو من عطف كلام متكلّم على كلام متكلّم آخر، لأنّ الكلامين بمنزلة الكلام الواحد في مقام المحاورة، كالعطف الذي في قوله تعالى :( قال إنّي جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي ( ( البقرة : ١٢٤ ).
والفاء دالة على أن أمره بالهبوط مسبّب عن جوابه.
وضمير المؤنّث المجرور بمن في قوله :( منها ( عائد على المعلوم بين