" صفحة رقم ٥٢ "
العموم، إذ ليس قولُ :( لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما أوتي رسل الله ( بمنسوب إلى جميع أكابر المجرمين من جميع القرى.
والمعنى : إذا جاءتهم آية من آيات القرآن، أي تُليت عليهم آية فيها دعوتهم إلى الإيمان. فعبّر بالمجيء عن الإعلام بالآية أو تلاوتها تشبيها للإعلام بمجيء الدّاعي أو المرسل. والمراد أنَّهم غير مقتنعين بمعجزة القرآن، وأنَّهم يطْلبون معجزات عَيْنية مثل معجزة موسى ومعجزة عيسى، وهذا في معنى قولهم :( فليأتنا بآية كما أرسل الأوّلون ( ( الأنبياء : ٥ ) لجهلهم بالحكمة الإلهيّة في تصريف المعجزات بما يناسب حال المرسل إليهم، كما حكى الله تعالى :( وقَالوا لولا أنزل عليه آيات من ربّه قل إنَّما الآيات عند الله وإنَّما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنَّا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إنّ في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ( ( العنكبوت : ٥٠، ٥١ ) ؛ وقال النّبيء ( ﷺ ) ( ما من الأنبياء نبيء إلاّ أعطي من الآيات ما مِثْلُه آمنَ عليه البشر، وإنَّما كان الّذي أوتيتُ وحياً أوحى الله إليّ ) الحديث.
وأطلق على إظهار المعجزة لديهم بالإيتاء في حكاية كلامهم إذ قيل :( حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله ( لأنّ المعجزة لمّا كانت لإقناعهم بصدق الرّسول عليه الصّلاة والسلام أشبهت الشّيء المعطى لهم.
ومعنى :( مثل ما أوتى رسل الله ( مثل ما أتَى اللَّهُ الرّسلَ من المعجزات الّتي أظهروها لأقوامهم. فمرادهم الرّسل الّذين بَلغتهم أخبارهم. وقيل : قائل ذلك فريق من كبراء المشركين بمكّة، قال الله تعالى :( بل يريد كل امرىء منهم أن يُؤتى صحفاً مُنَشَّرة ( ( المدثر : ٥٢ ). روي أنّ الوليد بن المغيرة، قال للنّبيء ( ﷺ ) لو كانت النّبوءةُ لكنتُ أولى بها منكَ لأنّي أكبرُ منك سِنّا وأكثر مالاً وولداً ؛ وأنّ أبا جهل
" صفحة رقم ٥٢ "
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين.
والتّأكيد بأجمعين ( للتّنصيص على العموم لئلا يحمل على التّغليب، وذلك أنّ الكلام جرى على أمّة بعنوان كونهم إتباعاً لواحد، والعرب قد تجري العموم في مثل هذا على المجموع دون الجمع، كما يقولون : قتلت تميمٌ فُلاناً، وإنّما قتله بعضهم، قال النّابغة في شأن بني حُنّ ( بحاء مهملة مضمومه ) :
وهُمْ قتلوا الطاءِى بالجَوّ عَنْوَة
) ) وَيَائَادَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَاذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ).
الواو من قوله :( ويا آدم ( عاطفة على جملة :( أخرج منها مذءوماً مدحوراً ( ( الأعراف : ١٨ ) الآية، فهذه الواوُ من المحكي لا من الحكاية، فالنّداء والأمرُ من جملة المقول المحكي يقال : أي قال الله لإبليس اخرج منها وقال لآدم ) ويا آدم اسكن (، وهذا من عطف المتكلِّم بعض كلامه على بعض، إذا كان لبعض كلامه اتّصال وتناسب مع بعضه الآخر، ولم يكن أحدُ الكلامين موجّهاً إلى الذي وجّه إليه الكلام الآخَر، مع اتّحاد مقام الكلام، كما يفعل المتكلّم مع متعدِّدين في مجلس واحد فيُقبل على كل مخاطب منهم بكلام يخصه ومنه قول النبيّء ( ﷺ ) في قضيّة الرّجل والأنصاري الذي كان ابنُ الرّجل عسيفاً عليه :( والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله عزّ وجلّ أما الغنم والجارية فرَدٌ عليك وعلى ابنك جلدُ مائة وتغريب عام، واغْدُ يا أنَيْسُ على زوجة هذا فإن اعترفت فارْجُمْها )، ومن أسلوب هذه الآية ما في قوله تعالى :( قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعْرِض عن هذا واستغفري لذنبك ( ( يوسف : ٢٨، ٢٩ ) حكاية لكلام العزيز، أي العزيز عطفَ خطابّ امرأته على خطابه ليوسف.