" صفحة رقم ٥٦ "
للإتيان بالموصول حتّى يوميء إلى علّة بناء الخبر على الصّلة، أي إنَّما أصابهم صغار وعذاب لإجرامهم.
والصّغَار بفتح الصّاد الذلّ، وهو مشتقّ من الصِّغَر، وهو القماءة ونقصان الشيء عن مقدار أمثاله.
وقد جعل الله عقابهم ذلاّ وعذاباً : ليناسب كِبْرهم وعُتُوّهم وعصيانهم الله تعالى. والصّغار والعذاب يحصلان لهم في الدّنيا بالهزيمة وزوال السّيادة وعذاب القتل والأسر والخوف، قال تعالى :( قُل هل تربصون بنا إلاّ إحدى الحسنيين ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا ( ( التوبة : ٥٢ ) وقد حصل الأمران يوم بدر ويوم أحُد، فهلكت سادة المشركين، وفي الآخرة بإهانتهم بين أهل المحشر، وعذابهم في جهنم.
ومعنى ) عند الله ( أنَّه صغار مقدّر عند الله، فهو صغار ثابت محقّق، لأنّ الشّيء الّذي يجعله الله تعالى يحصل أثره عند النّاس كلّهم، لأنَّه تكوين لا يفارق صاحبه، كما ورد في الحديث :( إنّ الله إذا أحبّ عبداً أمر جبريل فأحبّه ثمّ أمر الملائكة فأحبّوه ثمّ يوضع له القبول عند أهل الأرض )، فلا حاجة إلى تقدير ( مِنْ ) في قوله :( عند الله (، ولا إلى جعل العندية بمعنى الحصول في الآخرة كما درج عليه كثير من المفسّرين.
والباء في :( بما كانوا يمكرون ( سببيّة. و ( ما ) مصدريّة : أي بسبب مكرهم، أي فعلهم المكر، أو موصولة : أي بسبب الّذي كانوا يمكرونه، على أنّ المراد بالمكر الاسم، فيقدر عائدٌ منصوبٌ هو مفعول به محذوف.
" صفحة رقم ٥٦ "
والمراد ب ) الظّالمين ( الذين يحقّ عليهم وصف الظلم : إما لظلمهم أنفسهم وإلقائها في العواقب السيّئة، وإمّا لاعتدائهم على حقّ غيرهم فإنّ العصيان ظلم لحقّ الربّ الواجب طاعته.
، ٢١ ) ) لله فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَاذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ).
كانت وسوسة الشّيطان بقرب نهي آدم عن الأكل من الشّجرة، فعبّر عن القرب بحرف التّعقيب إشارة إلى أنّه قرب قريب، لأنّ تعقيب كلّ شيء بحسبه.
والوسوسة الكلام الخفي الذي لا يسمعه إلاّ المُداني للمتكلّم، قال رؤبة يصف صائداً :
وَسْوَسَ يَدعُو جاهداً ربّ الفلق
سِرّاً وقد أوّنَ تَأوِينُ العُقق
وسمي إلقاء الشيطان وسوسة : لأنّه ألقَى إليهما تسويلاً خفياً من كلاممٍ كلمهما أو انفعاللٍ في أنفسهما. كهيئة الغاش الماكر إذْ يُخفِي كلاماً عَن الحاضرين كيلا يفسدوا عليه غشّه بفضح مضاره فألقى لهما كلاماً في صورة التّخافت ليوهمهما أنّه ناصح لهما وأنّه يخافت الكلام، وقد وقع في الآية الأخرى التّعبير عن تسويل الشّيطان بالقول :( فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلّك على شجرة الخُلْد وملك لا يبلى ( ( طه : ١٢٠ ) ثمّ درج اصطلاح القرآن وكلام الرّسول عليه الصّلاة والسّلام على تسمية إلقاء الشّيطان في نفوس النّاس خواطرَ