" صفحة رقم ٦ "
والحَشر : الجمع، ومنه :( وحُشر لسليمان جنوده ( ( النمل : ١٧ ). وضمّن معنى البعث والإرسَاللِ فعُدّي بعلَى كما قال تعالى :( بعثنا عليكم عباداً لنا ( ( الإسراء : ٥ ). و ) كل شيء ( يعمّ الموجودات كلّها. لكن المقام يخصّصه بكلّ شيء ممّا سألوه، أو من جنس خوارق العادات والآيات، فهذا من العام المراد به الخصوص مثل قوله تعالى، في ريح عاد ) تدمر كل شيء بأمر ربها ( ( الأحقاف : ٢٥ ) والقرينة هي ما ذكر قبله من قوله :( ولو أنَّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى ).
وقوله :( قِبَلاً ( قرأه نافع، وابن عامر، وأبو جعفر بكسر القاف وفتح الباء، وهو بمعنى المقابلة والمواجهة، أي حشرنا كلّ شيء من ذلك عياناً. وقرأه الباقون بضمّ القاف والباء وهو لغة في قِبَل بمعنى المواجهة والمعاينة ؛ وتأوّلها بعض المفسّرين بتأويلات أخرى بعيدة عن الاستعمال، وغير مناسبة للمعنى.
و ) ما كانوا ليؤمنوا ( هو أشدّ من ( لا يؤمنون ) تقوية لنفي إيمانهم، مع ذلك كلّه، لأنَّهم معاندون مكابرون غير طالبين للحقّ، لأنَّهم لو طَلَبوا الحقّ بإنصاف لكفتْهم معجزة القرآن، إنْ لَمْ يكفهم وضوح الحقّ فيما يدْعُو إليه الرّسول عليه الصلاة والسلام. فالمعنى : الإخبار عن انتفاء إيمانهم في أجدر الأحوال بأن يؤمن لها من يؤمن، فكيف إذا لم يكن ذلك. والمقصود انتفاء إيمانهم أبداً.
) ولو ( هذه هي المسماة ) لَوْ ( الصهيبية، وسنشرح القول فيها عند قوله تعالى :( ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون في سورة الأنفال ( ٢٣ ).
وقوله : إلا أن يشاء الله ( استثناء من عموم الأحوال التي تضمّنها عموم نفي إيمانهم، فالتّقدير : إلاّ بمشيئة الله، أي حال أن يشاء الله تغيير قلوبهم فيؤمنوا طوعاً، أو أن يكرههم على الإيمان بأن يسلّط عليهم رسوله صلى الله
" صفحة رقم ٦ "
على القول بأنّ الحروف المقطّعة التي في أوائل بعض السّور هي أسماء للسّور الواقعة فيها، وهو ضعيف، فلا يكون ( المص ) اسماً للسّورة، وإطلاقه عليها إنّما هو على تقدير التّعريف بالإضافة إلى السّورة ذات ألمص، وكذلك سمّاها الشّيخ ابن أبي زيد في الرّسالة ( في باب سجود القرآن. ولم يعُدّوا هذه السّورة في السور ذات الأسماء المتعدّدة. وأمّا ما في حديث زيد مِن أنّها تدعى طُولى الطَّولَيين فعلى إرادة الوصف دون التّلقيب. وذكر الفيروز بادي في كتاب ( بصائر ذوي التّمييز ) أنّ هذه السّورة تسمى سورة الميقات لاشتمالها على ذكر ميقات موسى في قوله :( ولما جاء موسى لميقاتنا ( ( الأعراف : ١٤٣ ). وأنّها تسمى سورة الميثاق لاشتمالها على حديث الميثاق في قوله :( ألست بربكم قالوا بلى ( ( الأعراف : ١٧٢ ).
وهي مكّية بلا خلاف. ثمّ قيل جميعُها مكّي، وهو ظاهر رواية مجاهد وعطاء الخراساني عن ابن عبّاس، وكذلك نقل عن ابن الزّبير، وقيل نزل بعضها بالمدينة، قال قتادة آية :( واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ( ( الأعراف : ١٦٣ ) نزلت بالمدينة، وقال مقاتِل من قوله :( واسألهم عن القرية ( إلى قوله وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم ( الأعراف : ١٧٢ ) نزلتْ بالمدينة، فإذا صحّ هذا احتمل أن تكون السورة نزلت بمكّة ثم ألحق بها الآيَتان المذكورتان، واحتمل أنّها نزلت بمكّة وأكمل منها بقيتها تانك الآيتان.
ولم أقف على ما يُضبط به تاريخ نزولها ؛ وعن جابر بن زيد أنّها نزلت بعد سورة ) ص ( وقبل سورة ) قل أوحي ( ( الجن : ١ )، وظاهر حديث ابن عبّاس في ( صحيح البخاري ) أنّ سورة ) قل أوحي ( أنزلت في أوّل الإسلام حين


الصفحة التالية
Icon