" صفحة رقم ٦٢ "
٦ ) ) وَهَاذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ).
عطف على جملة :( ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً ( ( الأنعام : ١٢٥ ) إلى آخِرها، لأنّ هذا تمثيل لحال هدي القرآن بالصّراط المستقيم الّذي لا يجهد متّبعه، فهذا ضدّ لحال التّمثيل في قوله :( كأنَّما يصّعَّد في السَّماء ( ( الأنعام : ١٢٥ ). وتمثيل الإسلام بالصّراط المستقيم يتضمّن تمثيل المسلم بالسّالك صراطاً مستقيماً، فيفيد توضيحاً لقوله :( يشرح صدره للإسلام ( ( الأنعام : ١٢٥ ). وعطفت هذه الجملة مع أنها بمنزلة بيان الجملة التي قبلها لتكون بالعطف مقصودة بالإخبار. وهو اقبال على النبي ( ﷺ ) بالخطاب.
والإشارة ب ) هَذا ( إلى حاضر في الذهن وهو دين الإسلام. والمناسبة قوله :( يشرح صدره للإسلام ( ( الأنعام : ١٢٥ ). والصّراط حقيقته الطّريق، وهو هنا مستعار للعمل الموصل إلى رضى الله تعالى. وإضافته إلى الربّ لتعظيم شأن المضاف، فيعلم أنَّه خير صراط. وإضافة الربّ إلى ضمير الرّسول تشريف للمضاف إليه، وترضية للرّسول ( ﷺ ) بما في هذا السَّنن من بقاء بعض النّاس غير متّبعين دينه.
والمستقيم حقيقته السّالم من العوج، وهو مستعار للصّواب لسلامته من الخطأ، أي سَنَن الله الموافق للحكمة والّذي لا يتخلّف ولا يعطّله شيء. ويجوز أن تكون الإشارة إلى حاضر في الحسّ وهو القرآن، لأنَّه مسموع كقوله :( وهذا كتاب أنزلناه مبارك ( ( الأنعام : ٩٢ )، فيكون الصّراط المستقيم مستعاراً لما يُبلِّغ إلى المقصود النّافع، كقوله :( وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبعوا ولا تتَّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ( ( الأنعام : ١٥٣ ). ومستقيماً حال من ( صراط ) مؤكّدة لمعنى إضافته إلى الله.
" صفحة رقم ٦٢ "
ابتداء الأكل أو الشّرب، ودلت هذه الآية على أن بُدُوّ سوآتهما حصل عند أوّل إدراك طعم الشّجرة، دلالة على سرعة ترتّب الأمر المحذور عند أوّل المخالفة، فزادت هذه الآية على آية البقرة.
وهذه أوّلُ وسوسة صدرت عن الشّيطان. وأوّل تضليل منه للإنسان.
وقد أفادت ( لما ) توقيت بدوّ سوآتهما بوقت ذوقهما الشّجرة، لأنّ ( لما ) حرف يدل على وجود شيء عند وجود غيره، فهي لمجرّد توقيت مضمون جوابها بزمان وجود شرطها، وهذا مَعنى قولهم : حرف وُجودٍ لِوُجُودٍ ( فاللاّم في قولهم لوجود بمعنى ( عند ) ولذلك قال بعضهم هي ظرف بمعنى حين، يريد باعتبار أصلها، وإذ قد التزموا فيها تقديم ما يدل على الوقت لا على الموقت، شابهت أدوات الشّرط فقالوا حرف وجود لوجود كما قالوا في ( لو ) حرف امتناععٍ لامْتناععٍ، وفي ( لَولا ) حرف امتناع لوجود، ولكن اللاّم في عبارة النّحاة في تفسير معنى لو ولولا، هي لام التّعليل، بخلافها في عبارتهم في ( لما ) لأنّ ( لما ) لا دلالة لها على سَبَب، ألا ترى قوله تعالى :( فلما نَجّاكم إلى البر أعرضتم ( ( الإسراء : ٦٧ ) إذ ليس الإنجاء بسبب للإعراض، ولكن لَمَّا كان بين السّبب والمسبّب تقارن كثر في شرط ( لما ) وجوابها معنى السَّببية دون اطراد، فقوله تعالى :( فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما ( لا يدلّ على أكثر من حصول ظهور السوْآت عند ذوق الشّجرة، أي أنّ الله جعل الأمرين مقترنين في الوقت، ولكن هذا التّقارن هو لكون الأمرين مسبّبين عن سبب واحد، وهو خاطر السوء الذي نفثه الشّيطان فيهما، فسبب الإقدام على المخالفة للتّعاليم الصّالحة، والشّعورَ بالنقيصة : فقد كان آدم وزوجه في طور سذاجة العلم، وسلامة الفطرة، شبيهين بالملائكة لا يُقدمان على مفسدة


الصفحة التالية
Icon