" صفحة رقم ٦٣ "
وجملة :( قد فَصّلْنا الآيات ( استئناف وفذلكة لما تقدم. والمراد بالآيات آيات القرآن. ومن رشاقة لفظ ) الآيات ( هنا أن فيه تورية بآيات الطريق التي يهتدي بها السائر.
واللاّم في :( لقوم يذكرون ( للعلّة، أي فصّلنا الآيات لأجلهم لأنَّهم الّذين ينتفعون بتفصيلها. والمراد بالقوم المسلمون، لأنَّهم الّذين أفادتهم الآيات وتذكّروا بها.
٧ ) ) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ).
الضّمير في :( لهم دار السلام ( عائد إلى ) قوم يذّكَّرون ( ( الأنعام : ١٢٦ ).
والجملة إمّا مستأنفة استئنافاً بيانياً : لأنّ الثّناء عليهم بأنّهم فُصّلت لهم الآيات ويتذكّرون بها يثير سؤال مَن يسأل عن أثر تبيين الآيَات لهم وتذكُّرهم بها، فقيل :( لهم دار السلام ).
وإمّا صفة :( لقوم يذّكّرون ( ( الأنعام : ١٢٦ ). وتقديم المجرور لإفادة الاختصاص للقوم الذين يذكّرون لا لغيرهم.
والدّارُ : مكان الحلول والإقامة، ترادف أو تقارب المحلّ من الحُلول، وهو مؤنّث تقديراً فيصغَّر على دويرة. والدّار مشتقّة من فعل دار يدور لكثرة دوران أهلها، ويقال لها : دارة، ولكن المشهور في الدارة أنّها الأرض الواسعة بين جبال.
والسّلام : الأمان، والمراد به هنا الأمان الكامل الّذي لا يعتري صاحِبه شيء ممّا يُخاف من الموجودات جواهرها وأعراضها، فيجوز أن يراد
" صفحة رقم ٦٣ "
ولا مَضرة، ولا يُعرضان عن نصح ناصح عَلِمَا صدقَه، إلى خبر مخبر يشكّان في صدقه، ويتوقّعان غروره، ولا يشعران بالسوء في الأفعال، ولا في ذَرائِعها ومقارناتها. لأنّ الله خلقهما في عالم ملَكي. ثمّ تطوّرت عقليَّتهما إلى طور التّصرّف في تغيير الوجدان. فتكّون فيهما فعل ما نُهيا عنه. ونشأ من ذلك التّطوّر الشّعورُ بالسّوء للغير، وبالسوء للنّفس، والشّعور بالأشياء التي تؤدي إلى السوء. وتقارن السوء وتلازمه.
ثمّ إن كان ( السَّوآت ) بمعنى ما يسوء من النّقائص، أو كان بمعنى العَورات كما تقدّم في قوله تعالى :( ليبدي لهما ما وُوري عنهما من سوآتهما ( ( الأعراف : ٢٠ ) فبُدوّ ذلك لهما مقارن ذوق الشّجرة الذي هو أثر الإقدام على المعصية ونبذِ النّصيحة إلى الاقتداء بالغَرور والاغترار بقَسَمه، فإنَّهما لما نشأت فيهما فكرة السوء في العمل، وإرادة الإقدام عليه، قارنت تلك الكيفيةَ الباعثةَ على الفعل نَشْأةُ الانفعال بالأشياء السيّئة، وهي الأشياء التي تظهر بها الأفعال السيّئة، أو تكون ذريعة إليها، كما تنشأ معرفة آلة القطع عند العزم على القتل، ومن فكرة السّرقة معرفةُ المكان الذي يختفَى فيه، وكذلك تنشأ معرفة الأشياء التي تلازم السوء وتقارنه، وإن لم تكن سيّئة في ذاتها، كما تنشأ معرفة اللّيل من فكرة السّرقة أو الفرارِ، فتنشأ في نفوسسِ النّاسسِ كراهيته ونسبته إلى إصدار الشّرور، فالسوآت إن كان معناه مطلق ما يسوء منهما ونقائصِهما فهي من قبيل القسمين، وإن كان معناه العورة فهي من قبيل القسم الثّاني، أعني الشّيء المقارن لما يسوء، لأنّ العورة تقارن فعلا سيّئاً من النّقائص المحسوسة، والله أوجدها سببَ مصالح، فلم يَشعر آدمُ وزوجه بشيء ممّا خلقت لأجله، وإنّما شعرا بمقارنة شيء مكروه لذلك وكلّ ذلك نشأ بإلْهام من الله تعالى، وهذا التّطوّر، الذي أشارت إليه الآية، قد جعله الله تطوّراً فطرياً في ذرّية آدم، فالطّفل في أوّل عمره يكون بريئاً من خواطر السّوء فلا يستاء من تلقاء نفسه إلاّ إذا لحق به مؤلم خارجي،


الصفحة التالية
Icon