" صفحة رقم ٦٥ "
تولاّهم، أو الباء للملابسة، ويكون :( بما كانوا يعملون ( مراداً به جزاء أعمالهم، على حذف مضاف دلّ عليه السّياق.
وتعريف المسند بالإضافة في قوله :( وليهم ( أفاد الإعلام بأنّ الله وليّ القوم المتذكّرين، ليعلموا عظم هذه المنّة فيشكروها، وليعلم المشركون ذلك فيغيظهم. وذلك أنّ تعريف المسند بالإضافه يخالف طريقة تعريفه بغير الإضافة، من طرق التّعريف، لأنّ التّعريف بالإضافة أضعف مراتب التّعريف، حتّى أنَّه قد يقرب من التّنكير على ما ذكره المُحقّقون : من أنّ أصل وضع الإضافة على اعتبار تعريف العهد، فلا يُقال : غلام زيد، إلاّ لغلام معهود بين المتكلّم والمخاطب بتلك النّسبة، ولكن الإضافة قد تخرج عن ذلك في الاستعمال فتجيء بمنزلة النكرة المخصوصة بالوصف، فتقول : أتاني غلامُ زيد بكتاب منه وأنت تريد غلاماً له غير معيَّن عند المخاطب، فيصير المعرّف بالإضافة حينئذ كالمعرّف بلام الجنس، أي يفيد تعريفاً يميّز الجنس من بين سائر الأجناس، فالتّعريف بالإضافة يأتي لما يأتي له التّعريف باللام. ولهذا لم يكن في قوله :( وهو وليهم ( قَصْر ولا إفاده حُكم معلوم على شيء معلوم. وممّا يزيدك يقينا بهذا قوله تعالى :( ذلك بأنّ الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم ( ( محمد : ١١ ) فإنّ عطف :( وأنّ الكافرين لا مولى لهم ( على قوله :( بأنّ الله مولى الذين آمنوا ( أفاد أنّ المراد بالأوّل إفادة ولاية الله للّذين آمنوا لا الإعلام بأنّ من عرف بأنَّه مولى الّذين آمنوا هو الله.
٨ ) ) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا الَّذِى
أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ).
" صفحة رقم ٦٥ "
و ( من ) في قوله :( من ورق الجنة ( يجوز كونها اسماً بمعنى بعضَ في موضع مفعول ) يخصفان ( أي يخصفان بعض ورق الجنة، كما في قوله :( من الذين هادوا يحرفون (، ويجوز كونها بيانيّة لمفعول محذوف يقتضيه :( ) يخصفان ( والتقدير : يخصفان خِصْفاً من ورق الجنة.
) ) وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ( ) قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ).
عطف على جواب ( لَمَّا )، فهو ممّا حصل عند ذَوق الشّجرة، وقد رتب الإخبار عن الأمور الحاصلة عند ذوق الشّجرة على حسب ترتيب حصولها في الوجود. فإنّهما بدت لهما سوآتهما فطفقا يخصفان. وأعقب ذلك نداءُ الله إيّاهما.
وهذا أصل في ترتيب الجمل في صناعة الإنشاء، إلاّ إذا اقتضى المقام العدول عن ذلك، ونظير هذا الترتيب ما في قوله تعالى :( ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب ( ( هود : ٧٧ ) وقد بيّنته في كتاب ( أصول الإنشاء والخطابة ) ولم أعلم أنّي سُبقت إلى الاهتداء إليه.
وقد تأخّر نداء الربّ إياهما إلى أن بدت لهما سوآتهما، وتحيَّلا لستر عوراتهما ليكون للتّوبيخ وقْعٌ مكين من نفوسهما، حين يقع بعد أن تظهر لهما مفاسد عصيانهما، فيعلما أنّ الخير في طاعة الله، وأنّ في عصيانه ضرّاً.
والنّداء حقيقته ارتفاع الصّوت وهو مشتق من النَّدى بفتح النّون والقصر وهو بُعد الصّوت، قال مدثار بن شيبان النمري :
فَقُلتُ ادعِي وأدْعُوا إنّ أندى
لِصَوْتتٍ أن يُنادِيَ داعيان


الصفحة التالية
Icon