" صفحة رقم ٩ "
و ) شياطين ( بدل من ) عدواً ( وإنَّما صيغ التّركيب هكذا : لأنّ المقصود الأوّل الإخبار بأنّ المشركين أعداء للرّسول ( ﷺ ) فمن أعرب ) شياطين ( مفعولاً ل ) جَعل ( و ) لكل نبي ( ظرفاً لغواً متعلِّقاً ب ) عدوّا ( فقد أفسد المعنى.
والعَدُوّ : اسم يقع على الواحد والمعتددّ، قال تعالى :( هم العدوّ فاحذرهم ( ( المنافقون : ٤ ) وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى :( فإن كان من قوم عدوّ لكم في سورة النساء ( ٩٢ ).
والشّيطان أصله نوع من الموجودات المجرّدة الخفية، وهو نوع من جنس الجنّ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : واتبعوا ما تتلوا الشّياطين على ملك سليمان ( ( البقرة : ١٠٢ ). ويطلق الشّيطان على المضلّل الّذي يفعل الخبائث من النّاس على وجه المجاز. ومنه ( شياطين العرب ) لجماعة من خباثهم، منهم : ناشب الأعور، وابنُه سعد بن ناشب الشّاعر، وهذا على معنى التّشبيه، وشاع ذلك في كلامهم.
والإنس : الإنسان وهو مشتقّ من التأنّس والإلْف، لأنّ البشر يألف بالبشر ويأنس به، فسمّاه إنساً وإنساناً.
و ( شياطين الإنس ) استعارة للنّاس الّذين يفعلون فعل الشّياطين : من مكر وخديعة. وإضافة شياطين إلى الإنس إضافة مجازية على تقدير ( مِن ) التبعيضية مجازا، بناء على الاستعارة التي تقتضي كون هؤلاء الإنس شياطين، فهم شياطين، وهم بعض الإنس، أي أنّ الإنس : لهم أفراد متعارفة، وأفراد غير متعارفة يطلق عليهم اسم الشّياطين، فهي بهذا الاعتبار من إضافة الأخصّ من وجهٍ إلى الأعمّ من وجهٍ، وشياطين الجنّ حقيقة، والإضافة حقيقة، لأنّ الجنّ منهم شياطين، ومنهم غير شياطين، ومنهم صالحون، وعداوة شياطين الجنّ للأنبياء ظاهرة، وما جاءت الأنبياء إلاّ للتحذير من فعل الشّياطين، وقد قال الله تعالى لآدم :( إنّ هذا عدوّ لك ولزوجك ( ( طه : ١١٧ ).
" صفحة رقم ٩ "
وأطال القول في قصّة موسى عليه السّلام مع فرعون، وفي تصرّفات بني إسرائيل مع موسى عليه السّلام.
وتخلّل قصّتَه بشارةُ الله ببعثة محمّد ( ﷺ ) وصفة أمّته وفضل دينه.
ثمّ تخلّص إلى موعظة المشركين كيف بدّلوا الحنيفية وتقلّدوا الشّرك، وضرب لهم مَثلا بمن آتاه الله الآيات فوسوس له الشّيطان فانسلخ عن الهدى.
ووصف حال أهل الضّلالة ووصف تكذيبهم بما جاء به الرّسول ووصف آلهتهم بما ينافي الإلاهيّة وأنّ لله الصّفات الحسنى صفات الكمال.
ثمّ أمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام والمسلمين بسعة الصّدر والمداومة على الدّعوة وحذرهم من مداخل الشّيطان بمراقبة الله بذكره سرّاً وجهراً والاقبال على عبادته.
) ) ال
).
هذه الحروف الأربعة المقطّعة التي افتتحت بها هاته السّورة، يُنطَق بأسمائها ( ألِفْ لاَمْ مِيمْ صَادْ ) كما يَنْطِق بالحروف ملقِّن المتعلّمين للهجاء في المكتب، لأنّ المقصود بها أسماء الحروف لا مسميّاتها وأشكالها، كما أنّك إذا أخبرت عن أحد بخبر تذكر اسم المخبر عنه دون أن تَعْرِض صورته أو ذاته، فتقولُ مثلاً : لقيت زيداً، ولا تقول : لقيت هذه الصورة، ولا لقيتُ هذه الذات.
فالنّطق بأسماء الحروف هو مقتضَى وقوعها في أوائل السّور التي افتتحت بها، لقصد التّعريض بتعجيز الذين أنكروا نزول القرآن من عند الله تعالى، أي تعجيزِ بلغائهم عن معارضته بمثله كما تقدّم في سورة البقرة.


الصفحة التالية
Icon