" صفحة رقم ٩٤ "
٦ ) ) وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالاَْنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَاذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَاذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ).
عَطفٌ على نظائره ممّا حكيت فيه أقوالهم وأعمالهم من قوله :( وما قدروا الله حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللَّه على بشر من شيء ( ( الأنعام : ٩١ ) وقوله :( وجعلوا لله شركاء الجنّ ( ( الأنعام : ١٠٠ ) وقوله :( وأقسموا بالله جَهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنُنّ بها ( ( الأنعام : ١٠٩ ) وقوله :( وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ( ( الأنعام : ١٢٤ ) وما تخلّل ذلك فهو إبطال لأقوالهم، ورد لمذاهبهم، وتمثيلات ونظائر، فضمير الجماعة يعود على المشركين الّذين هم غرض الكلام من أوّل السّورة من قوله :( ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون ( ( الأنعام : ١ ). وهذا ابتداءُ بيان تشريعاتهم الباطلة، وأوّلُها مَا جعلوه حقّاً عليهم في أموالهم للأصنام : ممّا يشبه الصّدقات الواجبة، وإنَّما كانوا يوجبونها على أنفسهم بالالتزام مثل النّذور، أو بتعيين من الّذين يشرعون لهم كما سيأتي.
والجعل هنا معناه الصّرف والتّقسيم، كما في قول عمر في قضيّة : ما أفاء الله على رسوله ( ﷺ ) المختصم فيها العبّاس وعليّ رضي الله عنهم ( فيجعَلُه رسولُ اللَّه مجعل ماللِ اللَّه ) أي يضعه ويصرفه، وحقيقة معنى الجعل هو التّصيير، فكما جاء صيّر لمعان مجازية، كذلك جاء ( جعل )، فمعنى ) وجعلوا لله ( : صرفوا ووضعوا لله، أي عيّنوا له نصيباً، لأنّ في التّعيين تصييراً تقديرياً ونقلاً. وكَذلِك قول النّبي ( ﷺ ) في حديث أبي طلحةَ :( أرى أن تجعلَها في الأقربِين ) أي أن تصرفها إليهم، و ) جعل ( هذا يتعدّى إلى مفعول واحد، وهذه التّعدية هي أكثر أحوال تعديته، حتّى أنّ تعديته إلى مفعولين إنَّما ما في الحقيقة مفعولٌ وحالٌ منه.
" صفحة رقم ٩٤ "
عن جابر بن زيد كانوا إذا حجوا حرّموا الشاة ولبنها وسمْنها. وفيه عن قتادة : أنّ الآية أرادت ما حرّموه على أنفسهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي.
فالأمر في قوله :( خذوا زينتكم ( للوجوب، وفي قوله :( وكلوا واشربوا ( للإباحه لبني آدم الماضين والحاضرين.
والمقصود من توجيه الأمر أو من حكايته إبطالُ التّحريم الذي جعله أهل الجاهليّة بأنهم نقضوا به ما تقرّر في أصل الفطرة ممّا أمر الله به بني آدم كلّهم، وامتن به عليهم، إذ خلق لهم ما في الأرض جميعاً. وهو شبيه بالأمر الوارد بعد الحَظر. فإنّ أصله إبطال التّحريم وهو الإباحة كقوله تعالى :( وإذا حللتم فاصطادوا ( ( المائدة : ٢ ) بعد قوله :( غير محلي الصيد وأنتم حرم ( ( المائدة : ١ ) وقد يعرض لما أبطل به التّحريم أن يكون واجباً. فقد ظهر من السّياق والسّباق في هذه الآيات أن كشف العورة من الفواحش، فلا جرم يكون اللّباس في الحجّ منه واجبٌ، وهو ما يستْر العورة، وما زاد على ذلك مباح مأذون فيه إبطالاً لتحريمه، وأمّا الأمر بالأكل والشّرب فهو للإباحة إبطالاً للتّحريم، وليس يجب على أحد أكل اللّحم والدّسم.
وقوله :( عند كل مسجد ( تعميم أي لا تخصّوا بعض المساجد بالتّعري مثل المسجد الحرام ومسجد مِنَى، وقد تقدّم نظيره في قوله :( وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ( ( الأعراف : ٢٩ ). وقد ظهرت مناسبة عطف الأمر بالأكل والشّرب على الأمر بأخذ الزّينة ممّا مضى آنفاً.