" صفحة رقم ٩٥ "
ومعنى :( ذرأ ( أنشأ شيئاً وكثّره. فأطلق على الإنماء لأنّ إنشاء شيء تكثير وإنماء. و ) ممّا ذرأ ( متعلّق ب ) جَعلوا (، و ) من ( تبعيضية، فهو في معنى المفعول، و ) مَا ( موصولة، والإتيان بالموصول لأجل دلالة صلته على تسفيه آرائهم، إذ ملَّكوا الله بعض مَلْكه، لأنّ ما ذرأه هو مِلْكُه، وهو حقيق به بلا جَعْل منهم.
واختيار فعل :( ذرأ ( هنا لأنّه الّذي يدلّ على المعنى المراد، إذ المقصود بيان شرائعهم الفاسدة في نتائج أموالهم. ثمّ سيبيّن شرعهم في أصول أموالهم في قوله :( وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ( ( الأنعام : ١٣٨ ) الآية.
و ) من الحرث والأنعام ( بيان ) ما ( الموصولة. والحرثُ مراد به الزّرع والشّجر، وهو في الأصل من إطلاق المصدر على اسم المفعول، ثمّ شاع ذلك الإطلاق حتّى صار الحرث حقيقة عرفية في الجنّات والمزارع، قال تعالى :( أن اغْدُوا على حرثكم إن كنتم صارمين ( ( القلم : ٢٢ ).
والنّصيب : الحظ والقِسْم وتقدّم في قوله تعالى :( أولئك لهم نصيب ممّا كسبوا في سورة البقرة ( ٢٠٢ )، والتّقدير : جعلوا لله نصيباً ولغيره نصيباً آخر، وفهم من السّياق أنّ النّصيب الآخر لآلهتهم. وقد أفصح عنه في التّفريع بقوله : فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا ).
والإشارتان إلى النّصيب المعيّن لله والنّصيب المعيّن للشركاء، واسما الإشارة مشار بكلّ واحد منهما إلى أحد النّصيبين على الإجمال إذ لا غرض في المقام في تعيين ما جعلوه لله وما جعلوه لشركائهم.
والزّعم : الإعتقاد الفاسد، أو القريب من الخطأ، كما تقدّم عند قوله تعالى :( ألم تر إلى الذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل
" صفحة رقم ٩٥ "
والإسراف تقدّم عند قوله تعالى :( ولا تأكلوها إسرافاً في سورة النّساء ( ٦ )، وهو تجاوز الحدّ المتعارف في الشّيء أي : ولا تسرفوا في الأكل بكثرة أكل اللّحوم والدّسم لأنّ ذلك يعود بأضرار على البدن وتنشأ منه أمراض معضلة.
وقد قيل إنّ هذه الآية جمعت أصول حفظ الصّحة من جانب الغذاء فالنّهي عن السرف نهيُ إرشاد لا نهي تحريم بقرينة الإباحة اللاّحقة في قوله : قل من حرم زينة الله إلى قوله والطيبات من الرزق ( ( الأعراف : ٣٢ )، ولأنّ مقدار الإسراف لا ينضبط فلا يتعلّق به التّكليف، ولكن يوكل إلى تدبير النّاس مصالحهم، وهذا راجع إلى معنى القسط الواقع في قوله سابقاً :( قل أمر ربي بالقسط ( ( الأعراف : ٢٩ ) فإن ترك السّرف من معنى العدل.
وقوله :( إنه لا يحب المسرفين ( تذييل، وتقدّم القول في نظيره في سورة الأنعام.
٣٢ ) ) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى
أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِى لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ).
استئناف معتَرَض بين الخطابات المحكيّة والموجّهة، وهو موضع إبطال مزاعم أهل الجاهليّة فيما حرّموه من اللّباس والطّعام وهي زيادة تأكيد لإباحة التستر في المساجد، فابتدىء الكلام السابق بأنّ اللباس نعمة من لله. وثني بالأمر بإيجاب التستر عند كل مسجد، وثلث بانكاران يوجد تحريم اللباس


الصفحة التالية
Icon