" صفحة رقم ٢٥٢ "
واختلف الفقهاء في حكم الأنفال اختلافاً ناشئاً عن اختلاف اجتهادهم في المراد من الآية، وهو اختلاف يعذرون عليه لسعة الاطلاق في أسماء الأموال الحاصلة للغزاة، فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وسعيد بن المسيب : النفل إعطاء بعض الجيش أو جميعه زيادة على قسمة أخماسهم الأربعة من المغنم، فإنما يكون ذلك من خمس المغنم المجعول للرسول ( ﷺ ) ولخلفائه وأمرائه جمعاً بين هذه الآية وبين قوله :( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ( ( الأنفال : ٤١ ) الآية فلا نفل إلا من الخمس المجعول لاجتهاد أمير الجيش وعلة ذلك تجنب إعطاء حق أحد لغيره ولأنه يفضي إلى إيقاد الإحَنْ في نفوس الجيش، وقد يبعث الجيش على عصيان الأمير، ولكن إذا رأى الإمام مصلحة في تنفيل بعض الجيش ساغ له ذلك من الخمس الذي هو موكول إليه، كما سيأتي في آية المغانم، لذلك قال مالك : لا يكون التنفيل قبل قسمة المغنم وجعل ما صدر من النبي ( ﷺ ) يوم حنين من قوله :( من قتل قتيلاً فله سَلَبه ) خصوصيه للنبيء ( ﷺ ) وهو ظاهر، لأن طاعة الناس للرسول أشد من طاعتهم لمن سواه لأنهم يؤمنون بأنه معصوم عن الجور وبأنه لا يتصرف إلا بإذن الله، قال مالك في ( الموطأ ) : ولم يبلغنا أن رسول الله فعل ذلك غير يوم حنين ولا أن أبا بكر وعمر فعلاه في فتوحهما.
وإنما اختلفت الفقهاء : في أن النفل هل يبلغ جميع الخمس أو يخرج من خمس الخمس، فقال مالك من الخمس كله ولو استغرقه، وقال سعيد بن المسيب، وأبو حنيفة والشافعي : النفل من خمس الخمس. والخلاف مبني على اختلافهم في أن خمس المغنم أهو مقسم على من سمّاه القرآن أم مختلط، وسيجيء ذلك في آية المغانم. والحجة لمالك حديث ابن عمر في ( الموطأ ) أنهم غزو مع رسول الله ( ﷺ ) قبل نجد فغنموا إبلاً كثيرة فكانت سهمانهم اثني عشر بعيراً ونُفلوا بعيراً بعيراً فأعطي النفلُ جميع أهل الجيش وذلك أكثر من خمس الخمس، وقال جماعة يجوز التنفيل من جميع المغنم وهؤلاء يخصصون عموم آية ) واعلموا أنما غنمتم ( ( الأنفال : ٤١ ) بآية ) قل الأنفال لله والرسول ( أي فالمغانم المخمسة ما كان دون النفل، والقول الأول أسد وأجرى على الأصول وأوفق بالسنة، والمسألة تبسط في الفقه وليس من غرض المفسر إلا الإلمام بمعاقدها من الآية.
وتفريع ) فاتقوا الله ( على جملة ) الأنفال لله والرسول ( لأن في تلك الجملة