" صفحة رقم ٢٦٧ "
شأنه أن لا يقع، إذ كان الشأن اتباع ما يحبه الرسول ( ﷺ ) أو التفويضَ إليه، وما كان ينبغي لهم أن يكرهوا لقاء العدو. ويستلزم هذا التنزيلُ التعجيبَ من حال المخبر عنهم بهذه الكراهية فيكون تأكيد الخبر كناية عن التعجيب من المخبر عنهم.
وجملة ) يجادلونك ( حال من ) فريقاً ( فالضمير لفريق باعتبار معناه لأنه يدل على جمع. وصيغة المضارع لحكاية حال المجادلة زيادة في التعجيب منها، وهذا التعجيب كالذي في قوله تعالى :( يجادلنا ( من قوله :( فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يُجادلنا في قوم لوط ( ( هود : ٧٤ ) إذ قال ) يجادلنا ( ولم يقل ( جادلنا ).
وقوله :( بعْدَ ما تبيّنَ ( لوم لهم على المجادلة في الخروج الخاص، وهو الخروج للنفير وترك العير، بعد أن تبين أي ظهر أن الله قدر لهم النصر، وهذا التبيّن هو بيّنٌ في ذاته سواء شعر به كلهم أو بعضهم فإنه بحيث لا ينبغي الاختلاف فيه، فإنهم كانوا عَرَباً أذكياء، وكانوا مؤمنين أصفياء، وقد أخبرهم النبي ( ﷺ ) بأن الله ناصرهم على إحدى الطائفتين : طائفة العير أو طائفة النفير، فنصرهم إذن مضمون، ثم أخبرهم بأن العير قد أخطأتهم، وقد بقي النفير، فكان بيّناً أنهم إذا لقوا النفير ينصرهم الله عليه، ثم رأوا كراهة النبي ( ﷺ ) لمّا اختاروا العير، فكان ذلك كافياً في اليقين بأنهم إذا لقوا المشركين ينتصرون عليهم لا محالة، ولكنهم فضلوا غنيمة العير على خضد شوكة أعدائهم ونهوضضِ شوكتهم بنصر بدر، فذلك معنى تبيّن الحق أي رجحان دليله في ذاته، ومَن خفي عليه هذا التبيّن من المؤمنين لم يعذره الله في خفائِه عليه.
ومن هذه الآية يؤخذ حكم مؤاخذة المجتهد إذا قصّر في فهم ما هو مدلول لأهل النظر، وقد غضب النبي ( ﷺ ) من سؤال الذي سأله عن ضالة الإبل بعدَ أن سأله عن ضالة الغنم فأجابه هي لكَ أو لأخيك أو للذئب. فلما سأله بعد ذلك عن ضالّة الإبل تَمَعّر وجهه وقال ( مالَكَ ولها معها حذاؤها وسقاؤها تَشرب الماءَ وترعَى الشجرَ حتى يلقاها ربها ) وروى مالك، في ( الموطأ )، أن أبا هريرة مرّ بقومٍ محرمين فاستفتوه في لَحْم صيد وجدوا أناساً أحلة يأكلونه فأفتاهم بالأكل منه ثم قدم المدينة فسأل عُمر بن الخطاب عن


الصفحة التالية
Icon