" صفحة رقم ٢٨٧ "
ويطلق الزحف على الجيش الدهْم، أي الكثير عددِ الرجال، لأنه لكثرة الناس فيه يثقل تنقله فوصف بالمصدر، ثم غلب إطلاقه حتى صار معنى من معاني الزحف ويجمع على زُحوف.
وقد اختلفت طرق المفسرين في تفسير المراد من لفظ زحفاً ( في هذه الآية فمنهم من فسره بالمعنى المصدري أي المشي في الحرْب وجلعه وصفاً لتلاحم الجيشين عند القتال، لأن المقاتلين يدبون إلى أقرانهم دبيباً، ومنهم من فسره بمعنى الجيش الدهْم الكثير العدد، وجعله وصفاً لذات الجيش.
وعلى كلا التقديرين فهو : إما حال من ضمير ) لقيتم ( وإما من ) الذين كفروا (، فعلى التفسير الأول هو نهي عن الانصراف من القتال فراراً إذا التحم الجيشان، سواء جَعلتَ زحفاً حالاً من ضمير ) لقيتم ( أو من ) الذين كفروا (، لأن مشي أحد الجيشين يستلزم مشي الآخر.
وعلى التفسير الثاني فإن جعل حالاً من ضمير لقيتم كان نهياً عن الفرار إذا كان المسلمون جيشاً كثيراً، ومفهومه أنهم إذا كانوا قلة فلا نهي، وهذا المفهوم مجمل يبينه قوله تعالى :( إن يكن منكم عشرون صابرون إلى مع الصابرين ( ( الأنفال : ٦٥، ٦٦ )، وإن جعل حالاً من ) الذين كفروا ( كان المعنى إذا لقيتموهم وهم كثيرون فلا تفروا، فيفيد النهي عن الفرار إذا كان الكفار قلة بفحوى الخطاب، ويؤول إلى معنى لا تُولوهم الأدبار في كل حال.
وهذه الآية عند جمهور أهل العلم نزلت بعد انقضاء وقعة بدر، وهو القول الذي لا ينبغي التردد في صحته كما تقدم آنفاً، فإن هذه السورة نزلت بسبب الاختلاف في أنفال الجيش من أهل بدر عند قسمة مغانم بدر، وما هذه الآية إلاّ جزء من هذه السورة فحكم هذه الآية شَرْع شرعه الله على المسلمين بسبب تلك الغزوة لتوقع حدوث غزوات يكون جيش المسلمين فيها قليلاً كما كان يومَ بدر، فنهاهم الله عن التقهقر إذا لاقوا العدو.
فأما يوم بدر فلم يكن حُكم مشروع في هذا الشأن، فإن المسلمين وقعوا في الحرب بغتة وتولى الله نصرهم.


الصفحة التالية
Icon