" صفحة رقم ٢٩٠ "
واللام للتعليل أي إلاّ في حال تحرف أي مجانبة لأجل القتال، أي لأجل أعماله إن كان المراد بالقتال الاسم، أو لأجل إعادة المقاتلة إن كان المراد بالقتال المصدر، وتنكير قتال يرجح الوجه الثاني، فالمراد بهذا التحرف ما يعبر عنه بالفَرّ لأجل الكرّ فإن الحرب كرّ وفرّ، وقال عمرو بن معديكرب :
ولقد أجمَعُ رِجليَّ بها
حذَر الموت وإني لفرور
ولقد أعْطِفها كارهة
حينَ للنفس من الموت هَرِير
كل ما ذلك مني خُلُق
وبكللٍ أنا في الروْع جدير
والتحيز طلب الحَيْز فَيْعِل من الحَوْز، فأصل إحدى ياءيْه الواو، فلما اجتمعت الواو والياء وكانت السابقة ساكنة قلبت الواوُ ياء وأدغمت الياء في الياء، ثم اشتقوا منه تَحَيّز، فوزنه تَفَيْعَل وهو مختار صاحب ( الكشاف ) جرياً على القياس بقدر الإمكان، وجوّز التفتازاني أن يَكون وزنه تَفَعّل بناء على اعتباره مشتقاً من الكلمة الواقع فيها الإبدال والإدغامُ وهي الحَيز، ونظّره بقولهم :( تَدَيُّر ) بمعنى الإقامة في الدار، فإن الدار مشتقة من الدوران ولذلك جُمعت على دُور، إلاّ أنه لما كثر في جمعها دِيَار ودِيرَة عوملت معاملة ما عينه ياء، فقالوا من ذلك تَدَيّرَ بمعنى أقام في الدار وهو تَفعّل من الدار، واحتَج بكلام ابن جني والمرزوقي في ( شرح الحماسة )، يعني ما قال ابن جني في ( شرح الحماسة ) عند قول جابر بن حريش :
إِذْ لا تخاف حُدُوجُنا قذْفَ النّوى
قبلَ الفساد إِقامةً وتديرا
( التدير تفَعُّل من الدار وقياسه تدور إلاّ أنه لما كثر استعمالهم ديار أَنِسوا بالياء ووجدوا جانبها أوطا حسّاً وألين مسّاً فاجتروا عليها فقالوا تدير ) وما قال المرزوقي ( الأصل في تَدَير الواو ولكنهم بنوه على دِيَارِ لإلفِهم له بكثرة تردده في كلامهم ).
فمعنى ) متحيزاً إلى فئة ( أن يكون رجع القهقرى ليلتحق بطائفة من أصحابه فيتقوى بهم.
والفِئَة الجماعة من الناس، وقد تقدم في سورة البقرة ( ٢٤٩ ) في قوله :( كم من


الصفحة التالية
Icon