" صفحة رقم ٢٩٣ "
بينت حكم العَدد الذين عليهم طلب جهاد المشركين بنسبة عددهم إلى عدد المشركين، ولعل هذا مراد ابن العربي من قوله :( لأنه ظاهر الكتاب والحديث ( فيما نقله ابن الفرس.
) ) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَاكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَاكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِىَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلا
َءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ).
الأظهر أن الفاء فصيحة ناشئة عن جملة :( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم ( ( الأنفال : ١٢ ) تفصح عن مقدر قبلها شرط أو غيره والأكثر أن يكون شرطاً فتكون رابطة لجوابه، والتقدير هنا إذا علمتم أن الله أوحى إلى الملائكة بضرب أعناق المشركين وقَطْع إيديهم فلَمْ تقتلوهم أنتم ولكن الله قتلهم أي فقد تبين أنكم لم تقتلوهم أنتم، وإلى هذا يشير كلام صاحب ( الكشاف ) هنا وتبعه صاحب ( المفتاح ) في آخر باب النهي.
ويجوز أن تكون الفاء عاطفة على جملة :( يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذي كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ( ( الأنفال : ١٥ ) أي يتفرع على النهي عن أن تولوا المشركين الأدبار تنبيهكم إلى أن الله هو الذي دفع المشركين عنكم وأنتم أقل منهم عَددا وعُدة، والتفريع بالفاء تفريع العلة على المعلول، فإن كون قتل المشركين ورميهم حاصلاً من الله لأمن المسلمين يفيد تعليلاً وتوجيهاً لنهيهم عن أن يولوهم الأدبار. ولأَمْرهم الصبر والثبات وهو تعريض بضمان تأييد الله إياهم إن امتثلوا لقوله :( واصبروا إن الله مع الصابرين ( ( الأنفال ٤٦ ) فإنهم إذا امتثلوا ما أمرهم الله كان الله ناصرهم، وذلك يؤكد الوعيد على تولية الأدبار، لأنه يقطع عذر المتولين والفارين، ولذلك قال الله تعالى في وقعة أحد :( إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمْعاننِ إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ( ( آل عمران : ١٥٥ ).
وإذ قد تضمنت الجملة إخباراً عن حالة أفعال فعلها المخاطبون، كان المقصود اعلامهم بنفي ما يظنونه من أن حصول قتل المشركين يوم بدر كان بأسباب ضَرب سيوف المسلمين، فأنباهم أن تلك السيوف ما كان يحق لها أن تؤثر ذلك التأثير المصيب المطرد العام الذي حل بإبطال ذوي شجاعة، وذوي شوكة وشِكّة، وإنما كان ضرب سيوف المسلمين صورياً، أكرم الله المسلمين بمقارنته فعلَ الله تعالى الخارقَ للعادة، فالمنفي هو الضرب الكائنُ سببَ القتل في العادة، وبذلك كان القتل الحاصل يومئذٍ معجزة للرسول ( ﷺ ) وكرامة لأصحابه، وليس المنفي تأثير الضرب


الصفحة التالية
Icon