" صفحة رقم ٢٩٤ "
في نفس الأمر بناء على القضاء والقدر، لأنه لو كان ذلك لم يكن للقتل الحاصل يوم بدر مزية على أي قتل يقع بالحق أو بالباطل، في جاهلية أو إسلام، وذلك سياق الآية الذي هو تكريم المسلمين وتعليل نهيهم عن الفرار إذا لقوا. وليس السياق لتعليم العقيدة الحق.
وأصل الخبر المنفي أن يدل على انتفاء صدور المسند عن المسند إليه، لا أن يدل على انتفاء وقوع المسند أصلاً فلذلك صح النفي في قوله :( فلم تقتلوهم ( مع كون القتل حاصلاً، وإنما المنفي كونه صادراً عن أسبابهم.
ووجه الاستدراك المفاد ب ) لكن ( أن الخبر نفى أن يكون القتل الواقع صادراً عن المخاطبين فكانَ السامعُ بحيث يتطلب أكان القتلُ حقيقة أم هو دون القتل، ومَن كان فاعلاً له، فاحتيج إلى الاستدراك بقوله :( ولكن الله قتلهم ).
وقدم المسند إليه على المسند الفعلي في قوله :( ولكن الله قتلهم ( دون أن يقال ولكن قتلهم الله، لمجرد الاهتمام لا الاختصاص، لأن نفي اعتقاد المخاطبين أنهم القاتلون قد حصل من جملة النفي، فصار المخاطبون متطلبين لمعرفة فاعل قتل المشركين فكان مهمّاً عندهم تعجيل العلم به.
استطراد بذكر تأييد إلهي آخرَ لم يُجر له ذكر في الكلام السابق، وهو إشارة إلى ما ذكره المفسرون وابن إسحاق أن رسول الله ( ﷺ ) بعد أن حرّض المؤمنين على القتال يوم بدر أتاه جبريل فقال خذ قُبْضة من تراب فارمهم بها فأخذ حفنة من الحصاء فاستقبل بها المشركين ثم قال :( شاهت الوجوه ) ثم نفحهم بها ثم أمر أصحابه فقال : شُدوا فكانت الهزيمة على المشركين، وقال غيره لم يبق مشرك إلا أصابه شيء من الحصا في عينيه فشغل بعينيه فانهزموا، فلكون الرمي قصة مشهورة بينهم حذف مفعول الرمي في المواضع الثلاثة، وهذا أصح الروايات، والمراد بالرمي رمي الحصباء في وجوه المشركين يوم بدر، وفيه روايات أخرى لا تناسب مهيع السورة، فالخطاب في قوله :( رميت ( للنبيء ( ﷺ )
والرمي حقيقته إلقاء شيء أمسكتْه اليد، ويطلق الرمي على الإصابة بسوء من


الصفحة التالية
Icon