" صفحة رقم ٣٣٧ "
آوَيْتُم الصباة أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعتَ إلى أهلك سالماً ) الحديث.
وقد أفادت الآية : أنهم استحقوا العذاب فنبهت على أن ما أصابهم يوم بدر، من القتل والأسر، هو من العذاب، ولكن الله قد رحم هذه الأمة تكرمة لنبيه محمد ( ﷺ ) فلم يؤاخذ عامتهم بظلم الخاصة بل سلط على كل أحد من العذاب ما يُجازي كفره وظُلمه وإذايته النبي ( ﷺ ) والمسلمين، ولذلك عذب بالقتل والأسر والإهانة نفراً عُرفوا بالغلو في كفرهم وأذاهم، مثل النضر بن الحارث، وطعيمة بن عدي، وعُقبة بن أبي مُعَيط، وأبي جهل، وعذب بالخوف والجوع من كانوا دون هؤلاء كفراً واستبقاهم وأمهلهم فكان عاقبة أمرهم أن أسلموا بقرب أو بُعد وهؤلاء مثل أبي سفيان، وحكيم بن حزام، وخالد بن الوليد، فكان جزاؤه إياهم على حسب علمه، وحقق بذلك رجاء رسول الله ( ﷺ ) إذ قال :( لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده ).
وجملة :( وما كانوا أولياءه ( في موضع الحال من ضمير ) يصُدون ( والمقصود من هذه الحال إظهار اعتدائهم في صدهم عن المسجد الحرام، فإن مَن صدّ عما هو له من الخير كان ظالماً، ومَن صدّ عما ليس من حقه كان أشدّ ظلماً، ولذلك قال تعالى :( ومَن أظْلَم ممن منعَ مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه ( ( البقرة : ١١٤ ) أي لا أظلمَ منه أحد لأنه منع شيئاً عن مستحقه.
وجملة :( إن أولياؤه إلاّ المتقون ( تعيين لأوليائه الحق، وتقرير لمضمون ) وما كانوا أولياءه ( مع زيادة ما أفاده القصر من تعيين أوليائِه، فهي بمنزلة الدليل على نفي ولاية المشركين، ولذلك فصلت.
وإنما لم يُكتف بجملة القصر مع اقتضائه أن غير المتقين ليسوا أولياء المسجد الحرام، لقصد التصريح بظلم المشركين في صدهم المسلمين عن المسجد الحرام بأنهم لا ولاية لهم عليه، فكانت جملة :( وما كانوا أولياءه ( أشد تعلقاً بجملة :( وهم يصدون عن المسجد الحرام ( من جملة :( إِن أولياؤه إلاّ المتقون ( وكانت جملة :( إن أولياءه إلا المتقون ( كالدليل، فانتظم الاستدلال أبدع انتظام، ولما في إناطة ولاية المسجد الحرام بالمتقين من الإشارة إلى أن المشركين الذين سلبت عنهم ولايته ليسوا من المتقين، فهو مذمة لهم وتحقيق للنفي بحجة.


الصفحة التالية
Icon