" صفحة رقم ٣٣٨ "
والاستدراك الذي أفاده ) لكن ( ناشىء عن المقدمتين اللتين تضمنتهما جملتا ) وما كانوا أولياءه، إن أولياؤه إلاّ المتقون ( لأن ذلك يثير فرض سائل يسأل عن الموجب الذي أقحمهم في الصد عننِ المسجد الحرام، ويحسبون أنهم حقيقون بولايته لما تقدم عن ( الكشاف )، فحذف مفعول ) يعلمون ( لدلالة الاستدراك عليه لتعلق الاستدراك بقوله :( وما كانوا أولياءه ).
وإنما نفَى العلم عن أكثرهم دون أن يقال ولكنهم لا يعلمون فاقتضى أن منهم من يعلم أنهم ليسوا أولياء المسجد الحرام، وهم من أيقنوا بصدق الرسول ( ﷺ ) واستفاقوا من غفلتهم القديمة، ولكن حملهم على المشايعة للصادين عن المسجد الحرام، العنادُ وطلبُ الرئاسة، وموافقة الدهماء على ضلالهم، وهؤلاء هم عقلاء أهل مكة ومن تهيأ للإيمان منهم مثل العباسسِ وعَقيل بن أبي طالب وأبي سفيان بن حرب وحَكيم بن حزم وخالد بن الوليد، ومن استبقاهم الله للإسلام فكانوا من نصرائه من بعد نزول هذه الآية.
٣٥ ) ) وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ).
معطوفة على جملة ) وهم يصدون عن المسجد الحرام ( ( الأنفال : ٣٤ ) فمضمونها سبب ثان لاستحقاقهم العذاب، وموقعها، عقب جملة :( وما كانوا أولياءه ( ( الأنفال : ٣٤ ) يجعلها كالدليل المقرر لانتفاء ولايتهم للمسجد الحرام، لأن من كان يفعل مثل هذا عند مَسجد الله لم يكن من المتقين، فكان حقيقاً بسلب ولاية المسجد عنه، فعطفت الجملة باعتبارها سبباً للعذاب، ولو فصلت باعتبارها مقررة لسلب أهلية الولاية عنهم لصحَ ذلك، ولكن كان الاعتبار الأول أرجح ؛ لأن العطف أدل عليه مع كون موقعها يفيد الاعتبار الثاني.
والمُكآء على صيغة مصادر الأصوات كالرغاء والثغاء والبُكاء والنواح، يقال : مكَا يمْكُو إذا صَفّر بفيه، ومنه سمي نوع من الطْير المَكّاء بفتح الميم وتشديد الكاف، وجمعه مَكَاكِيء بهمزة في آخره بعد الياء، وهو طائر أبيضُ يكون بالحجاز.


الصفحة التالية
Icon