" صفحة رقم ٣٤٠ "
) بما كنتم تكفرون ( أي بكفركم ف ( ما ) مصدرية، و ) كان ( إذا جعل خبرها جملة مضارعية أفادت الاستمرار والعادة، كقول عايشة، ( فكانوا لا يقطعون السارق في الشيء التافه ) وقول سعيد بن المسيب في ( الموطأ ) :( كانوا يعطون النفَل من الخُمس ).
وعبر هنا ب ) تكفرون ( وفي سورة الأعراف ( ٣٩ ) ب ) تكسبون لأن العذاب المتحدث عنه هنال لأجل الكُفر. والمتحدث عنه في الأعراف لأجل الكفر والإضلال ومَا يجره الإضلال من الكبرياء الروئاسة.
٣٦، ٣٧ ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُو
اْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِى جَهَنَّمَ أُوْلَائِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ).
لما ذُكر صدهم المسلمين عن المسجد الحرام الموجب لتعذيبهم، عُقب بذكر محاولتهم استيصال المسلمين وصدهم عن الإسلام وهو المعني ب ) سبيل الله ( وجعلت الجملة مستأنفة، غير معطوفة، اهتماماً بها أي أنهم ينفقون أموالهم وهي أعز الأشياء عليهم للصد عن الإسلام، وأتى بصيغة المضارع في ) ينفقون ( للإشارة إلى أن ذلك دأبهم وأن الإنفاق مستمر لإعداد العُدد لغزو المسلمين، فإنفاقهم حصل في الماضي ويحصل في الحال والاستقبال، وأشعرت لام التعليل بأن الإنفاق مستمر لأنه منوط بعلة ملازمة لنفوسهم وهي بغض الإسلام وصدهم الناس عنه.
وهذا الإنفاق : أنهم كانوا يطعمون جيشهم يوم بدر اللحم كل يوم، وكان المطعمون اثني عشر رجلاً وهم أبو جهل، وأمية بن خلف، والعباس بن عبد المطلب وعتبة بن ربيعة، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعمية بن عدي بن نوفل، وأبو البَخْترِي والعاصي بن هاشم، وحكيم بن حزام، والنضر بن الحارث، ونُبَيْه بنُ حجاج السهمي، وأخوه مُنَبه، وسهيل بن عَمرو العامري، كانوا يطعمون في كل يوم عشر جزائر. وهذا الإنفاق وقع يوم بدر، وقد مضى، فالتعبير عنه بصيغة المضارع لاستحضار حالة الإنفاق وأنها حالة عجيبة في وفرة النفقات.
وهو جمع بالإضافة يجعله من صيغ العموم، فكأنه قيل ينفقون أموالهم كلها مبالغة، وإلاّ فإنهم ينفقون بعض أموالهم.