وقال تعالى :﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ [البقرة : ٢٥٩]، وقال :﴿فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً﴾ [المؤمنون : ١٤]، وقال :﴿أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَخِرَةً﴾ [النازعات : ١١] فالأصل هي العظام، والروح والحياة فيها كما في اللحم والجلد. وفي حديث عبدالله بن عكيم :"لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب". فإن قيل : قد ثبت في الصحيح أن النبي ﷺ قال في شاة ميمونة :"ألا انتفعتم بجلدها" ؟ فقالوا : يا رسول الله، إنها ميتة. فقال :"إنما حرم أكلها " والعظم لا يؤكل. قلنا : العظم يؤكل، وخاصة عظم الجمل الرضيع والجدي والطير، وعظم الكبير يشوى ويؤكل. وما ذكرناه قبل يدل على وجود الحياة فيه، وما كان طاهرا بالحياة ويستباح بالذكاة ينجس بالموت. والله أعلم.
الرابعة :- قوله تعالى :﴿مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ﴾ عام في جلد الحي والميت، فيجوز الانتفاع بجلود الميتة وإن لم تدبغ ؛ وبه قال ابن شهاب الزهري والليث بن سعد. قال الطحاوي : لم نجد عن أحد من الفقهاء جواز بيع جلد الميتة قبل الدباغ إلا عن الليث. قال أبو عمر : يعني من الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار بعد التابعين، وأما ابن شهاب فذلك عنه صحيح، وهو قول أباه جمهور أهل العلم. وقد روي عنهما خلاف هذا القول، والأول أشهر.
قلت : قد ذكر الدارقطني في سننه حديث يحيى بن أيوب عن يونس وعقيل عن الزهري، وحديث بقية عن الزبيدي، وحديث محمد بن كثير العبدي وأبي سلمة المنقري عن سليمان بن كثير عن الزهري، وقال في آخرها : هذه أسانيد صحاح.
السادسة١ :- اختلف العلماء في جلد الميتة إذا دبغ هل يطهر أم لا ؛ فذكر ابن عبدالحكم عن مالك ما يشبه مذهب ابن شهاب في ذلك. وذكره ابن خويز منداد في كتابه عن ابن عبدالحكم أيضا. قال ابن خويز منداد : وهو قول الزهري والليث. قال : والظاهر من مذهب مالك ما ذكره ابن عبدالحكم، وهو أن الدباغ لا يطهر جلد الميتة، ولكن يبيح الانتفاع به في الأشياء اليابسة، ولا يصلى عليه ولا يؤكل فيه. وفي المدونة لابن القاسم :
ـــــــ
١ اضطربت الأصول في عدّ هذه المسائل.


الصفحة التالية
Icon