من اغتصب جلد ميتة غير مدبوغ فأتلفه كان عليه قيمته. وحكى أن ذلك قول مالك. وذكر أبو الفرج أن مالكا قال : من اغتصب لرجل جلد ميتة غير مدبوغ فلا شيء عليه. قال إسماعيل : إلا أن يكون لمجوسي. وروى ابن وهب، وابن عبدالحكم عن مالك جواز بيعه، وهذا في جلد كل ميتة إلا الخنزير وحده ؛ لأن الزكاة لا تعمل فيه، فالدباغ أولى. قال أبو عمر : وكل جلد ذكي فجائز استعماله للوضوء وغيره. وكان مالك يكره الوضوء في إناء جلد الميتة بعد الدباغ على اختلاف من قوله، ومرة قال : إنه لم يكرهه إلا في خاصة نفسه، وتكره الصلاة عليه وبيعه، وتابعه على ذلك جماعة من أصحابه. وأما أكثر المدنيين فعلى إباحة ذلك وإجازته ؛ لقول رسول الله ﷺ :"أيما إهاب دبغ فقد طهر". وعلى هذا أكثر أهل الحجاز والعراق من أهل الفقه والحديث، وهو اختيار ابن وهب.
السابعة :- ذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إلى أنه لا يجوز الانتفاع بجلود الميتة في شيء وإن دبغت ؛ لأنها كلحم الميتة. والأخبار بالانتفاع بعد الدباغ ترد قوله. واحتج بحديث عبدالله بن عكيم - رواه أبو داود - قال : قرئ علينا كتاب رسول الله ﷺ بأرض جهينة وأنا غلام شاب :"ألا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب". وفي رواية : قبل موته بشهر. رواه القاسم بن مخيمرة عن عبدالله بن عكيم، قال : حدثنا مشيخة لنا أن النبي ﷺ كتب إليهم.. قال داود بن علي : سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، فضعفه وقال : ليس بشيء، إنما يقول حدثني الأشياخ، قال أبو عمر : ولو كان ثابتا لاحتمل أن يكون مخالفا للأحاديث المروية عن ابن عباس وعائشة وسلمة بن المحبق وغيرهم، لأنه جائز أن يكون معنى حديث ابن عكيم "ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب" قبل الدباغ ؛ وإذا احتمل ألا يكون مخالف ا فليس لنا أن نجعله مخالفا، وعلينا أن نستعمل الخبرين ما أمكن، وحديث عبدالله بن عكيم وإن كان قبل موت النبي ﷺ بشهر كما جاء في الخبر فيمكن أن تكون قصة ميمونة وسماع ابن عباس منه " أيما إهاب دبغ فقد طهر" قبل موته بجمعة أو دون جمعة، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon