﴿وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ أي في النفوس والأموال ؛ في قول الأكثرين. وقال مقاتل : بغيهم عملهم بالمعاصي. وقال أبو مالك : هو ما يرجوه كفار قريش أن يكون بمكة غير الإسلام دينا. وعلى هذا الحد قال ابن زيد : إن هذا كله منسوخ بالجهاد، لان هذا للمشركين خاصة. وقول قتادة : إنه عام ؛ وكذا يدل ظاهر الكلام. وقد بيناه والحمد لله.
قال ابن العربي : هذه الآية : في مقابلة الآية المتقدمة في ﴿براءة﴾ وهي قوله :﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [التوبة : ٩١] ؛ فكما نفى الله السبيل عمن أحسن فكذلك نفاها على من ظلم ؛ واستوفى ببان القسمين.
واختلف علماؤنا في السلطان يضع على أهل بلد مالا معلوما بأخذهم به ويؤدونه على قدر أموالهم ؛ هل لمن قدر على الخلاص من ذلك أن يفعل، وهو إذا تخلص أخذ سائر أهل البلد بتمام ما جعل عليهم. فقيل لا ؛ وهو قول سحنون من علمائنا. وقيل : نعم، له ذلك إن قدر على الخلاص ؛ وإليه ذهب أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي ثم المالكي. قال : ويدل عليه قول مالك في الساعي يأخذ من غنم أحد الخلطاء شاة وليس في جميعها نصاب إنها مظلمة على من أحذت له لا يرجع على أصحابه بشيء. قال : ولست آخذ بما روي عن سحنون ؛ لأن الظلم لا أسوة فيه، ولا يلزم أحد أن يولج نفسه في ظلم مخافة أن يضاعف الظلم على غيره، والله سبحانه يقول :﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ﴾
واختلفت العلماء في التحليل ؛ فكان ابن المسيب لا يحلل أحدا من عرض ولا مال. وكان سليمان بن يسار ومحمد بن سيرين يحللان من العرض والمال. ووأى مالك التحليل من المال دون العرض. روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك وسئل عن قول سعيد بن المسيب "لا أحلل أحدا" فقال : ذلك يختلف ؛ فقلت له يا أبا عبدالله، الرجل يسلف الرجل فيهلك ولا وفاء له ؟ قال : أرى أن يحلله وهو أفضل عندي ؛ فان الله تعالى : يقول :﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ [الزمر : ١٨]. فقيل له : الرجل يظلم الرجل ؟