بينهم، ويذهبون إلى حكامهم، فإن جرى ذلك مجرى التظالم بينهم حكم بحكم الإسلام، كما لو ترك المسلم وطء زوجته ضرارا من غير يمين.
قوله تعالى :﴿تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ التربص : التأني والتأخر، مقلوب التصبر، قال الشاعر :

تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يوما أو يموت حليلها
وأما فائدة توقيت الأربعة الأشهر فيما ذكر ابن عباس عن أهل الجاهلية كما تقدم، فمنع الله من ذلك وجعل للزوج مدة أربعة أشهر في تأديب المرأة بالهجر، لقوله تعالى :﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ [النساء : ٣٤] وقد آلى النبي ﷺ من أزواجه شهرا تأديبا لهن. وقد قيل : الأربعة الأشهر هي التي لا تستطيع ذات الزوج أن تصبر عنه أكثر منها، وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يطوف ليلة بالمدينة فسمع امرأة تنشد :
ألا طال هذا الليل وأسود جانبه وأرقني أن لا حبيب ألاعبه
فوالله لولا الله لا شيء غيره لزعزع من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحياء يكفني وإكرام بعلي أن تنال مراكبه
فلما كان من الغد استدعى عمر بتلك المرأة وقال لها : أين زوجك ؟ فقالت : بعثت به إلى العراق! فاستدعى نساء فسألهن عن المرأة كم مقدار ما تصبر عن زوجها ؟ فقلن : شهرين، ويقل صبرها في ثلاثة أشهر، وينفد صبرها في أربعة أشهر، فجعل عمر مدة غزو الرجل أربعة أشهر، فإذا مضت أربعة أشهر استرد الغازين ووجه بقوم آخرين، وهذا والله أعلم يقوي اختصاص مدة الإيلاء بأربعة أشهر.
السابعة عشرة :- قوله تعالى :﴿فَإِنْ فَاءُوا﴾ معناه رجعوا، ومنه ﴿حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الحجرات : ٩] ومنه قيل للظل بعد الزوال : فيء، لأنه رجع من جانب المشرق إلى جانب المغرب، يقال : فاء يفيء فيئة وفيوءا. وإنه لسريع الفيئة، يعني الرجوع. قال :
ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له...
ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضيا


الصفحة التالية
Icon