يكون إنزال. وذهب الجمهور من العلماء والكافة من الفقهاء إلى أن الوطء كاف في ذلك، وهو التقاء الختانين الذي يوجب الحد والغسل، ويفسد الصوم والحج ويحصن الزوجين ويوجب كمال الصداق. قال ابن العربي : ما مرت بي في الفقه مسألة أعسر منها، وذلك أن من أصول الفقه أن الحكم هل يتعلق بأوائل الأسماء أو بأواخرها ؟ فإن قلنا : إن الحكم يتعلق بأوائل الأسماء لزمنا أن نقول بقول سعيد بن المسيب. وإن قلنا : إن الحكم يتعلق بأواخر الأسماء لزمنا أن نشترط الإنزال مع مغيب الحشفة في الإحلال، لأنه آخر ذوق العسيلة على ما قاله الحسن. قال ابن المنذر : ومعنى ذوق العسيلة هو الوطء، وعلى هذا جماعة العلماء إلا سعيد بن المسيب فقال : أما الناس فيقولون : لا تحل، للأول حتى يجامعها الثاني، وأنا أقول : إذا تزوجها زواجا صحيحا لا يريد بذلك إحلالها فلا بأس أن يتزوجها الأول. وهذا قول لا نعلم أحدا وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج، والسنة مستغنى بها عما سواها.
قلت : وقد قال بقول سعيد بن المسيب سعيد بن جبير، ذكره النحاس في كتاب "معاني القرآن" له. قال : وأهل العلم على أن النكاح ههنا الجماع، لأنه قال :﴿ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾ فقد تقدمت الزوجية فصار النكاح الجماع، إلا سعيد بن جبير فإنه قال : النكاح ههنا التزوج الصحيح إذا لم يرد إحلالها.
قلت : وأظنهما لم يبلغهما حديث العسيلة أو لم يصح عندهما فأخذا بظاهر القرآن، وهو قوله تعالى :﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾ والله أعلم. روى الأئمة واللفظ للدارقطني عن عائشة قالت : قال رسول الله ﷺ :"إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه". قال بعض علماء الحنفية : من عقد على مذهب سعيد بن المسيب فللقاضي أن يفسخه، ولا يعتبر فيه خلافه لأنه خارج عن إجماع العلماء. قال علماؤنا : ويفهم من قوله عليه السلام :"حتى يذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه" استواؤهما في إدراك لذة الجماع، وهو حجة لأحد القولين عندنا في أنه لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم تحل لمطلقها، لأنها لم تذق العسيلة إذ لم تدركها.