ورفع بعضهم درجات، قال الله تعالى :﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً﴾ [الإسراء : ٥٥] وقال :﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [البقرة : ٢٥٣].
قلت : وهذا قول حسن، فإنه جمع بين الآي والأحاديث من غير نسخ، والقول بتفضيل بعضهم على بعض إنما هو بما منح من الفضائل وأعطي من الوسائل، وقد أشار ابن عباس إلى هذا فقال : إن الله فضل محمدا على الأنبياء وعلى أهل السماء، فقالوا : بم يا ابن عباس فضله على أهل السماء ؟ فقال : إن الله تعالى قال :﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء : ٢٩]. وقال لمحمد ﷺ :﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح : ١ - ٢]. قالوا : فما فضله على الأنبياء ؟. قال : قال الله تعالى :﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم : ٤] وقال الله عز وجل لمحمد ﷺ :﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾ [سبأ : ٢٨] فأرسله إلى الجن والإنس ؛ ذكره أبو محمد الدارمي في مسنده. وقال أبو هريرة : خير بني آدم نوج وإبراهيم وموسى ومحمد ﷺ، وهم أولو العزم من الرسل، وهذا نص من ابن عباس وأبي هريرة في التعيين، ومعلوم أن من أرسل أفضل ممن لم يرسل، فإن من أرسل فضل على غيره بالرسالة واستووا في النبوة إلى ما يلقاه الرسل من تكذيب أممهم وقتلهم إياهم، وهذا مما لا خفاء فيه، إلا أن ابن عطية أبا محمد عبدالحق قال : إن القرآن يقتضي التفضيل، وذلك في الجملة دون تعيين أحد مفضول، وكذلك هي الأحاديث ؛ ولذلك قال النبي ﷺ :"أنا أكرم ولد آدم على ربي" وقال :"أنا سيد ولد آدم " ولم يعين، وقال عليه السلام :" لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى " وقال :"لا تفضلوني على موسى". وقال ابن عطية : وفي هذا نهي شديد عن تعيين المفضول ؛ لأن يونس عليه السلام كان شابا وتفسخ تحت أعباء النبوة. فإذا كان التوقيف لمحمد ﷺ فغيره أحرى.


الصفحة التالية
Icon