حائض، والحائض لا يجوز وطؤها اتفاقا. وأيضا فإن ما قالوه يقتضي إباحة الوطء عند انقطاع الدم للأكثر وما قلناه يقتضي الحظر، وإذا تعارض ما يقتضي الحظر وما يقتضي الإباحة ويغلب باعثاهما غلب باعث الحظر، كما قال علي وعثمان في الجمع بين الأختين بملك اليمين، أحلتهما آية وحرمتهما أخرى، والتحريم أولى. والله أعلم.
واختلف علماؤنا في الكتابية هل تجبر على الاغتسال أم لا، فقال مالك في رواية ابن القاسم : نعم، ليحل للزوج وطؤها، قال الله تعالى :﴿وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ يقول بالماء، ولم يخص مسلمة من غيرها. وروى أشهب عن مالك أنها لا تجبر على الاغتسال من المحيض، لأنها غير معتقدة لذلك، لقوله تعالى :﴿وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [البقرة : ٢٢٨] وهو الحيض والحمل، وإنما خاطب الله عز وجل بذلك المؤمنات، وقال :﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة : ٢٥٦] وبهذا كان يقول محمود بن عبدالحكم.
الثانية عشرة :- وصفة غسل الحائض صفة غسلها من الجنابة، وليس عليها نقض شعرها في ذلك، لما رواه مسلم عن أم سلمة قالت قلت : يا رسول الله، إني أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة ؟ قال :"لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين" وفي رواية : أفأنقضه للحيضة والجنابة ؟ فقال :"لا" زاد أبو داود :"واغمزي قرونك عند كل حفنة".
الثالثة عشرة - قوله تعالى :﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ أي فجامعوهن. وهو أمر إباحة، وكنى بالإتيان عن الوطء، وهذا الأمر يقوي ما قلناه من أن المراد بالتطهر الغسل بالماء، لأن صيغة الأمر من الله تعالى لا تقع إلا على الوجه الأكمل. والله أعلم. و"من" بمعنى في، أي في حيث أمركم الله تعالى وهو القبل، ونظيره قوله تعالى :﴿أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ﴾ [فاطر : ٤٠] أي في الأرض، : وقوله :﴿ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ﴾ [الجمعة : ٩] أي في يوم الجمعة. وقيل : المعنى، أي من الوجه الذي أذن لكم فيه، أي من غير صوم وإحرام