وقال المفضل : صِعِد وأصْعَد وصَعَّد بمعنى واحد. ومعنى ﴿تَلْوُونَ﴾ تعرجون وتقيمون، أي لا يلتفت بعضكم إلى بعض هربا ؛ فإن المعرج على الشيء يلوي إليه عنقه أو عنان دابته. ﴿عَلَى أَحَدٍ﴾ يريد محمدا ﷺ ؛ قاله الكلبي. ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ أي في آخركم ؛ يقال : جاء فلان في آخر الناس وأخرة الناس وأخرى الناس وأخريات الناس. وفي البخاري ﴿أُخْرَاكُمْ﴾ تأنيث آخركم : حدثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال : سمعت البراء بن عازب قال : جعل النبي ﷺ على الرجالة يوم أحد عبدالله بن جبير وأقبلوا منهزمين فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم. ولم يبق مع النبي ﷺ غير اثني عشر رجلا. قال ابن عباس وغيره : كان دعاء النبي ﷺ :"أي عباد الله ارجعوا" وكان دعاءه تغييرا للمنكر، ومحال أن يرى عليه السلام المنكر وهو الانهزام ثم لا ينهى عنه.
قلت : هذا على أن يكون الانهزام معصية وليس كذلك، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى :﴿فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ﴾ الغم في اللغة : التغطية. غممت الشيء غطيته. ويوم غم وليلة غمة إذا كانا مظلمين. ومنه غم الهلال إذا لم ير، وغمني الأمر يغمني. قال مجاهد وقتادة وغيرهما : الغم الأول القتل والجراح، والغم الثاني الإرجاف بقتل النبي ﷺ ؛ إذ صاح به الشيطان. وقيل : الغم الأول ما فاتهم من الظفر والغنيمة، والثاني ما أصابهم من القتل والهزيمة. وقيل : الغم الأول الهزيمة، والثاني إشراف أبي وسفيان وخالد عليهم في الجبل ؛ فلما نظر إليهم المسلمون غمهم ذلك، وظنوا أنهم يميلون عليهم فيقتلونهم فأنساهم هذا ما نالهم ؛ فعند ذلك قال النبي ﷺ :"اللهم لا يعلن علينا" كما تقّدم. والباء في "بغم" على هذا بمعنى على. وقيل : هي على بابها، والمعنى أنهم غموا النبّي ﷺ بمخالفتهم إياه، فأثابهم بذلك غمهم بمن أصيب منهم. وقال الحسن :﴿فَأَثَابَكُمْ غَمّاً﴾ يوم أحد "بغم" يوم بدر للمشركين. وسمي الغم ثوابا كما سمي جزاء الذنب ذنبا. وقيل : وقفهم الله على ذنبهم فشغلوا بذلك عما أصابهم.