وقيل :"يتفكرون" عطف على الحال. وقيل : يكون منقطعا ؛ والأول أشبه. والفكرة : تردد القلب في الشيء ؛ يقال : تفكر، ورجل فكير كثير الفكر، ومر النبي ﷺ على قوم يتفكرون في الله فقال :"تفكروا في الخلق، ولا تتفكروا في الخالق فإنكم لا تقدرون قدره" وإنما التفكر والاعتبار وانبساط الذهن في المخلوقات كما قال :﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾. وحكي أن سفيان الثوري رضي الله عنه صلى خلف المقام ركعتين، ثم رفع رأسه إلى السماء فلما رأى الكواكب غشي عليه، وكان يبول الدم من طول حزنه وفكرته. وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :" بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال أشهد أن لك ربا وخالقا اللهم اغفر لي فنظر الله إليه فغفر له" وقال ﷺ :"لا عبادة كتفكر". وروي عنه عليه السلام قال :"تفكر ساعة خير من عبادة سنة". وروى ابن القاسم عن مالك قال : قيل لأم الدرداء : ما كان أكثر شأن أبي الدرداء ؟ قالت : كان أكثر شأنه التفكر. قيل له : أفترى التفكر عمل من الأعمال ؟ قال : نعم، هو اليقين. وقيل لابن المسيب في الصلاة بين الظهر والعصر، قال : ليست هذه عبادة، إنما العبادة الورع عما حرم الله والتفكر في أمر الله. وقال الحسن : تفكر ساعة خير من قيام ليلة ؛ وقال ابن العباس وأبو الدرداء. وقال الحسن : الفكرة مرآة المؤمن ينظر فيها إلى حسناته وسيئاته. ومما يتفكر فيه مخاوف الآخرة من الحشر والنشر والجنة ونعيمها والنار وعذابها. ويروى أن أبا سليمان الداراني رضي الله عنه أخذ قدح الماء ليتوضأ لصلاة الليل وعنده ضيف، فرآه لما أدخل أصبعه في أذن القدح أقام لذلك متفكرا حتى طلع الفجر ؛ فقال له : ما هذا يا أبا سليمان ؟ قال : إني لما طرحت أصبعي في أذن القدح تفكرت في قول الله تعالى ﴿إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ﴾ [المؤمن : ٧١] تفكرت، في حالي وكيف أتلقى الغل إن طرح في عنقي يوم القيامة، فما زلت في ذلك حتى أصبحت. قال ابن عطية :"وهذا نهاية الخوف، وخير الأمور أوساطها، وليس علماء الأمة الذين هم الحجة على هذا المنهاج، وقراءة علم كتاب الله تعالى ومعاني سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم


الصفحة التالية
Icon