لمن يفهم ويرجى نفعه أفضل من هذا". قال ابن العربي : اختلف الناس أي العملين أفضل : التفكر أم الصلاة ؛ فذهب الصوفية إلى أن التفكر أفضل ؛ فإنه يثمر المعرفة وهو أفضل، المقامات الشرعية. وذهب الفقهاء إلى أن الصلاة أفضل ؛ لما ورد في الحديث من الحث عليها والدعاء إليها والترغيب فيها. وفي الصحيحين عن ابن عباس أنه بات عند خالته ميمونة، وفيه : فقام رسول الله ﷺ فمسح النوم عن وجهه ثم قرأ الآيات العشر الخواتم من سورة آل عمران، وقام إلى شن معلق فتوضأ وضوءا خفيفا ثم صلى ثلاث عشرة ركعة ؛ الحديث. فانظروا رحمكم الله إلى جمعه بين التفكر في المخلوقات ثم إقباله على صلاته بعده ؛ وهذه السنة هي التي يعتمد عليها. فأما طريقة الصوفية أن يكون الشيخ منهم يوما وليلة وشهرا مفكرا لا يفتر ؛ فطريقة بعيدة عن الصواب غير لائقة بالبشر، ولا مستمرة على السنن. قال ابن عطية : وحدثني أبي عن بعض علماء المشرق قال : كنت بائتا في مسجد الأقدام بمصر فصليت العتمة فرأيت رجلا قد اضطجع في كساء له مسجى بكسائه حتى أصبح، وصلينا نحن تلك الليلة ؛ فلما أقيمت صلاة الصبح قام ذلك الرجل فاستقبل القبلة وصلى مع الناس، فاستعظمت جراءته في الصلاة بغير وضوء ؛ فلما فرغت الصلاة خرج فتبعته لأعظه، فلما دنوت منه سمعته ينشد شعرا :
مسجى الجسم غائب حاضر | منتبه القلب صامت ذاكر |
منقبض في الغيوب منبسط | كذاك من كان عارفا ذاكر |
يبيت في ليله أخا فكر | فهو مدى الليل نائم ماهر |
التاسعة : قوله تعالى :﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً﴾ أي يقولون : ما خلقته عبثا وهزلا، بل خلقته دليلا على قدرتك وحكمتك. والباطل : الزائل الذاهب. ومنه قول لبيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل