الحادية عشرة : قوله تعالى :﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ﴾ أي محمدا ﷺ ؛ قاله ابن مسعود وابن عباس وأكثر المفسرين. وقال قتادة ومحمد بن كعب القرظي : هو القرآن، وليس كلهم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم. دليل هذا القول ما أخبر الله تعالى عن مؤمني الجن إذ قالوا :﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ [الجن : ١ - ٢]. وأجاب الأولون فقالوا : من سمع القرآن فكأنما لقي النبي ﷺ ؛ وهذا صحيح معنى. وأن من ﴿أَنْ آمِنُوا﴾ في موضع نصب على حذف حرف الخفض، أي بأن أمنوا. وفي الكلام تقديم وتأخير، أي سمعنا مناديا للإيمان ينادي ؛ عن أبي عبيدة. وقيل : اللام بمعنى إلى، أي إلى الإيمان ؛ كقوله :﴿ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [المجادلة : ٨]. وقوله :﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ [الزلزلة : ٥] وقوله :﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا﴾ [الأعراف : ٤٣] أي إلى هذا، ومثله كثير. وقيل : هي لام أجل، أي لأجل الإيمان.
الثانية عشرة : قوله تعالى :﴿رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا﴾ تأكيد ومبالغة في الدعاء. ومعنى اللفظين واحد ؛ فإن الغفر والكفر : الستر. "وتوفنا مع الأبرار" أي أبرارا مع الأنبياء، أي في جملتهم. واحدهم وبر وبار وأصله من الاتساع ؛ فكأن البر متسع في طاعة الله ومتسعة له رحمة الله.
الثالثة عشرة : قوله تعالى :﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾ أي على ألسنة رسلك ؛ مثل ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾. وقرأ الأعمش والزهري ﴿رُسُلِكَ﴾ بالتخفيف، وهو ما ذكر من استغفار الأنبياء والملائكة للمؤمنين ؛ والملائكة يستغفرون لمن في الأرض. وما ذكر من دعاء نوح للمؤمنين ودعاء إبراهيم واستغفار النبي ﷺ لأمته. ﴿وَلا تُخْزِنَا﴾ أي لا تعذبنا ولا تهلكنا ولا تفضحنا، ولا تهنا ولا تبعدنا ولا تمقتنا يوم القيامة "إنك لا تخلف الميعاد". إن قيل : ما وجه قولهم ﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾ [آل عمران : ١٩٤] وقد علموا أنه لا يخلف الميعاد ؛ فالجواب من ثلاثة أوجه :
الأول : أن الله سبحانه وعد من آمن بالجنة، فسألوا أن يكونوا ممن وعد بذلك دون الخزي : والعقاب.


الصفحة التالية
Icon