وفي الآية تنبيه على الصانع. وقال ﴿ وَاحِدَةٍ ﴾ على تأنيث لفظ النفس. ولفظ النفس يؤنث وإن عني به مذكر. ويجوز في الكلام ﴿ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ وهذا على مراعاة المعنى ؛ إذ المراد بالنفس آدم عليه السلام ؛ قاله مجاهد وقتادة. وهي قراءة ابن أبي عبلة ﴿واحد﴾ بغير هاء. ﴿ وَبَثَّ ﴾ معناه فرق ونشر في الأرض ؛ ومنه ﴿ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ﴾ وقد تقدم في "البقرة". و ﴿ مِنْهُمَا ﴾ يعني آدم وحواء. قال مجاهد : خلقت حواء من قصيري آدم. وفي الحديث :"خلقت المرأة من ضلع عوجاء"، وقد مضى في البقرة. ﴿ رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ﴾ حصر ذريتهما في نوعين ؛ فاقتضى أن الخنثى ليس بنوع، لكن له حقيقة ترده إلى هذين النوعين وهي الآدمية فيلحق بأحدهما، على ما تقدم ذكره في "البقرة" من اعتبار نقص الأعضاء وزيادتها.
قوله تعالى :﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾ كرر الاتقاء تأكيدا وتنبيها لنفوس المأمورين. و ﴿ الَّذِي ﴾ في موضع نصب على النعت. ﴿ وَالْأَرْحَامَ ﴾ معطوف. أي اتقوا الله أن تعصوه، واتقوا الأرحام أن تقطعوها. وقرأ أهل المدينة ﴿ تَسَاءَلُونَ ﴾ بإدغام التاء في السين. وأهل الكوفة بحذف التاء، لاجتماع تاءين، وتخفيف السين ؛ لأن المعنى يعرف ؛ وهو كقوله :﴿ وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ ﴾ و ﴿ تُنَزَّلَ ﴾ وشبهه. وقرأ إبراهيم النخعي وقتادة والأعمش وحمزة ﴿ الْأَرْحَامَ ﴾ بالخفض. وقد تكلم النحويون في ذلك. فأما البصريون فقال رؤساؤهم : هو لحن لا تحل القراءة به. وأما الكوفيون فقالوا : هو قبيح ؛ ولم يزيدوا على هذا ولم يذكروا علة قبحه ؛ قال النحاس : فيما علمت.
وقال سيبويه : لم يعطف على المضمر المخفوض ؛ لأنه بمنزلة التنوين، والتنوين لا يعطف عليه. وقال جماعة : هو معطوف على المكني ؛ فإنهم كانوا يتساءلون بها، يقول الرجل :