أنه قال :"إذا وعد الله لعبد ثوابا فهو منجزه وإن أوعد له العقوبة فله المشيئة إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه ". وفي هذين التأويلين دخل ؛ أما الأول - فقال القشيري : وفي هذا نظر ؛ لأن كلام الرب لا يقبل الخلف إلا أن يراد بهذا تخصيص العام ؛ فهو إذا جائز في الكلام. وأما الثاني : وإن روي أنه مرفوع فقال النحاس : وهذا الوجه الغلط فيه بين، وقد قال الله عز وجل :﴿ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا﴾ ولم يقل أحد : إن جازاهم ؛ وهو خطأ في العربية لأن بعده ﴿وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ وهو محمول على معنى جازاه. وجواب ثالث : فجزاؤه جهنم إن لم يتب وأصر على الذنب حتى وافى ربه على الكفر بشؤم المعاصي. وذكر هبة الله في كتاب "الناسخ والمنسوخ "أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى :﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾، وقال : هذا إجماع الناس إلا ابن عباس وابن عمر فإنهما قالا هي محكمة. وفي هذا الذي قال نظر ؛ لأنه موضع عموم وتخصيص لا موضع نسخ ؛ قال ابن عطية. قلت : هذا حسن ؛ لأن النسخ لا يدخل الأخبار إنما المعنى فهو يجزيه. وقال النحاس في "معاني القرآن "له : القول فيه عند العلماء أهل النظر أنه محكم وأنه يجازيه إذا لم يتب، فإن تاب فقد بين أمره بقوله :﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ﴾ فهذا لا يخرج عنه، والخلود لا يقتضي الدوام، قال الله تعالى :﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾. وقال تعالى :﴿يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ﴾. وقال زهير :
ولا خالدا إلا الجبال الرواسيا
وهذا كله يدل على أن الخلد يطلق على غير معنى التأبيد ؛ فإن هذا يزول بزوال الدنيا. وكذلك العرب تقول : لأخلدن فلانا في السجن ؛ والسجن ينقطع ويفنى، وكذلك المسجون. ومثله قولهم في الدعاء : خلد الله ملكه وأبد أيامه. وقد تقدم هذا كله لفظا ومعنى. والحمد لله.


الصفحة التالية
Icon