التاسعة عشرة- وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن إزالة النجاسة ليست بواجبة ؛ لأنه قال :﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ﴾ ولم يذكر الاستنجاء وذكر الوضوء، فلو كانت إزالتها واجبة لكانت أول مبدوء به ؛ وهو قول أصحاب أبي حنيفة، وهي رواية أشهب عن مالك. وقال ابن وهب عن مالك : إزالتها واجبة في الذكر والنسيان ؛ وهو قول الشافعي. وقال ابن القاسم : تجب إزالتها مع الذكر، وتسقط مع النسيان. وقال أبو حنيفة : تجب إزالة النجاسة إذا زادت على قدر الدرهم البغلي - يريد الكبير الذي هو على هيئة المثقال - قياسا على فم المخرج المعتاد الذي عفي عنه. والصحيح رواية ابن وهب ؛ لأن النبي ﷺ قال في صاحبي القبرين :"إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرئ من بوله" ولا يعذب إلا على ترك الواجب ؛ ولا حجة في ظاهر القرآن ؛ لأن الله سبحانه وتعالى إنما بين من آية الوضوء صفة الوضوء خاصة، ولم يتعرض لإزالة النجاسة ولا غيرها.
الموفية عشرين- ودلت الآية أيضا على المسح على الخفين كما بينا، ولمالك في ذلك ثلاث روايات : الإنكار مطلقا كما يقول الخوارج، وهذه الرواية منكرة وليست بصحيحة. وقد تقدم. الثانية : يمسح في السفر دون الحضر ؛ لأن أكثر الأحاديث بالمسح إنما هي في السفر ؛ وحديث السباطة يدل على جواز المسح في الحضر، أخرجه مسلم من حديث حذيفة قال : فلقد رأيتني أنا ورسول الله ﷺ نتماشى ؛ فأتى سباطة قوم خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم فبال فانتبذت منه، فأشار إلى فجئت فقمت عند عقبه حتى فرغ - زاد في رواية - فتوضأ ومسح على خفيه. ومثله حديث شريح بن هانئ قال : أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت : عليك بابن أبي طالب فسله ؛ فإنه كان يسافر مع رسول الله ﷺ ؛ فسألناه فقال : جعل رسول الله ﷺ سافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة ؛ - وهي الرواية الثالثة - يمسح حضرا وسفرا ؛ وقد تقدم ذكرها.


الصفحة التالية
Icon