قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً ﴾
ثلاث مسائل :
الأولى- قال ابن عطية : هذه الآيات المتضمنة الخبر عن نقضهم مواثيق الله تعالى تقوي أن الآية المتقدمة في كف الأيدي إنما كانت في بني النضير، واختلف أهل التأويل في كيفية بعث هؤلاء النقباء بعد الإجماع على أن النقيب كبير القوم، القائم بأمورهم الذي ينقب عنها وعن مصالحهم فيها. والنقاب : الرجل العظيم الذي هو في الناس على هذه الطريقة ؛ ومنه قيل في عمر رضي الله عنه : إنه كان لنقابا. فالنقباء الضمان، واحدهم نقيب، وهو شاهد القوم وضمينهم ؛ يقال : نقب عليهم، وهو حسن النقيبة أي حسن الخليقة. والنقب والنقب الطريق في الجبل. وإنما قيل : نقيب لأنه يعلم دخيلة أمر القوم، ويعرف مناقبهم وهو الطريق إلى معرفة أمورهم. وقال قوم : النقباء الأمناء على قومهم ؛ وهذا كله قريب بعضه من بعض. والنقيب أكبر مكانة من العريف. قال عطاء بن يسار : حملة القرآن عرفاء أهل الجنة ؛ ذكره الدرامي في مسنده. قال قتادة - رحمه الله وغيره : هؤلاء النقباء قوم كبار من كل سبط، تكفل كل واحد بسبطه بأن يؤمنوا ويتقوا الله ؛ ونحو هذا كان النقباء ليلة العقبة ؛ بايع فيها سبعون رجلا وامرأتان. فاختار رسول الله ﷺ من السبعين اثني عشر رجلا، وسماهم النقباء اقتداء بموسى صلى الله عليه وسلم. وقال الربيع والسدي وغيرهما : إنما بعث النقباء من بني إسرائيل أمناء على الاطلاع على الجبارين والسبر لقوتهم ومنعتهم ؛ فساروا ليختبروا حال من بها، ويعلموه بما اطلعوه عليه فيها حتى ينظر في الغزو إليهم ؛ فأطلعوا من الجبارين على قوة عظيمة - على ما يأتي - وظنوا أنهم لا قبل لهم بها ؛ فتعاقدوا بينهم على أن يخفوا ذلك عن بني إسرائيل، وأن يعلموا به موسى عليه السلام، فلما انصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فعرفوا قراباتهم، ومن وثقوه على سرهم ؛ ففشا الخبر حتى أعوج أمر بني إسرائيل فقالوا :﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾
الثانية- ففي الآية دليل على قبول خبر الواحد فيما يفتقر إليه المرء، ويحتاج إلى اطلاعه من حاجاته الدينية والدنيوية ؛ فتركب عليه الأحكام، ويرتبط به الحلال والحرام ؛ وقد جاء


الصفحة التالية
Icon