وأغريت زيدا بكذا حتى غري به ؛ ومنه الغراء الذي يغري به للصوقه ؛ فالإغراء بالشيء الإلصاق به من جهة التسليط عليه. وأغريت الكلب أي أولعته بالصيد. ﴿ بَيْنَهُمْ ﴾ ظرف للعداوة. ﴿ وَالْبَغْضَاءَ ﴾ البغض. أشار بهذا إلى اليهود والنصارى لتقدم ذكرهما. عن السدي وقتادة : بعضهم لبعض عدو. وقيل : أشار إلى افتراق النصارى خاصة ؛ قاله الربيع بن أنس، لأنهم أقرب مذكور ؛ وذلك أنهم افترقوا إلى اليعاقبة والنسطورية والملكانية ؛ أي كفر بعضهم بعضا. قال النحاس : ومن أحسن ما قيل في معنى ﴿ أَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ ﴾ أن الله عز وجل أمر بعداوة الكفار وإبغاضهم، فكل فرقة مأمُورة بعداوة صاحبتها وإبغاضها لأنهم كفار. وقوله :﴿ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ ﴾ تهديد لهم ؛ أي سيلقون جزاء نقض الميثاق.
قوله تعالى :﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ﴾ الكتاب اسم جنس بمعنى الكتب ؛ فجميعهم مخاطبون. ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم. ﴿ يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ ﴾ أي من كتبكم ؛ من الإيمان به، ومن آية الرجم، ومن قصة أصحاب السبت الذين مسخوا قردة ؛ فإنهم كانوا يخفونها. ﴿ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ أي يتركه ولا يبينه، وإنما يبين ما فيه حجة على نبوته، ودلالة على صدقه وشهادة برسالته، ويترك ما لم يكن به حاجة إلى تبيينه. وقيل :﴿ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ يعني يتجاوز عن كثير فلا يخبركم به. وذكر أن رجلا من أحبارهم جاء إلى النبي ﷺ فسأله فقال : يا هذا عفوت عنا ؟ فأعرض عنه رسول الله ﷺ ولم يبين ؛ وإنما أراد اليهودي أن يظهر مناقضة كلامه، فلما لم يبين له رسول الله ﷺ قام من عنده فذهب وقال لأصحابه : أرى أنه صادق فيما يقول : لأنه كان وجد في كتابه أنه لا يبين له ما سأله عنه. ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ ﴾ أي ضياء ؛ قيل : الإسلام. وقيل : محمد عليه السلام ؛ عن الزجاج. ﴿ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ أي القرآن ؛ فإنه يبين الأحكام، وقد تقدم. ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ ﴾ أي ما رضيه الله. ﴿ سُبُلَ السَّلامِ ﴾ طرق السلامة الموصلة إلى دار السلام المنزهة عن كل آفة، والمؤمنة من كل مخافة ؛ وهي الجنة. وقال الحسن والسدي :﴿ السَّلامِ ﴾ الله عز وجل ؛ فالمعنى دين الله - وهو الإسلام - كما قال :{ إِنَّ الدِّينَ


الصفحة التالية
Icon