وهذا نص ؛ وقد عامل النبي ﷺ اليهود ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير أخذه لعياله. والحاسم لداء الشك والخلاف اتفاق الأمة على جواز التجارة مع أهل الحرب ؛ وقد سافر النبي ﷺ إليهم تاجرا، وذلك من سفره أمر قاطع على جواز السفر إليهم والتجارة معهم. فإن قيل : كان ذلك قبل النبوة ؛ قلنا : إنه لم يتدنس قبل النبوة بحرام - ثبت ذلك تواترا - ولا اعتذر عنه إذ بعث، ولا منع منه إذ نبئ، ولا قطعه أحد من الصحابة في حياته، ولا أحد من المسلمين بعد وفاته ؛ فقد كانوا يسافرون في فك الأسرى وذلك واجب، وفي الصلح كما أرسل عثمان وغيره ؛ وقد يجب وقد يكون ندبا ؛ فأما السفر إليهم لمجرد التجارة فمباح.
١٦٢- ﴿ لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً ﴾
قوله تعالى :﴿ لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ ﴾ استثنى مؤمني أهل الكتاب ؛ وذلك أن اليهود أنكروا وقالوا : إن هذه الأشياء كانت حراما في الأصل وأنت تحلها ولم تكن حرمت بظلمنا ؛ فنزل ﴿ لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ والراسخ هو المبالغ في علم الكتاب الثابت فيه، والرسوخ الثبوت ؛ وقد تقدم في "آل عمران" والمراد عبدالله بن سلام وكعب الأحبار ونظراؤهما. ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ أي من المهاجرين والأنصار، أصحاب محمد عليه السلام. ﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ ﴾ وقرأ الحسن ومالك بن دينار وجماعة :"والمقيمون" على العطف، وكذا هو في حرف عبدالله، وأما حرف أبي فهو فيه ﴿ وَالْمُقِيمِينَ ﴾ كما في المصاحف. واختلف في نصبه على أقوال ستة ؛ أصحها قول سيبويه بأنه نصب على المدح ؛ أي وأعني المقيمين ؛ قال سيبويه : هذا باب ما ينتصب على التعظيم ؛ ومن ذلك ﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ ﴾ وأنشد :