قوله تعالى :﴿عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾ أي في الساعة، أي في التقدمة لها ؛ عن الحسن. و ﴿فَرَّطْنَا﴾ معناه ضيعنا وأصله التقدم ؛ يقال : فرط فلان أي تقدم وسبق إلى الماء، ومنه "أنا فرطكم على الحوض" ومنه الفارط أي المتقدم للماء، ومنه - في الدعاء للصبي - اللهم اجعله فرطا لأبويه ؛ فقولهم :﴿فَرَّطْنَا﴾ أي قدمنا العجز. وقيل :﴿فَرَّطْنَا﴾ أي جعلنا غيرنا الفارط السابق لنا إلى طاعة الله وتخلفنا. ﴿فِيهَا﴾ أي في الدنيا بترك العمل للساعة. وقال الطبري :﴿الهاء﴾ راجعة إلى الصفقة، وذلك أنهم لما تبين لهم خسران صفقتهم ببيعهم الإيمان بالكفر، والآخرة بالدنيا، ﴿قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾ أي في الصفقة، وترك ذكرها لدلالة الكلام عليها ؛ لأن الخسران لا يكون إلا في صفقة بيع ؛ دليله قوله :﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ﴾. وقال السدي : على ما ضيعنا أي من عمل الجنة. وفي الخبر عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ في هذه الآية قال :"يرى أهل النار منازلهم في الجنة فيقولون :﴿يَا حَسْرَتَنَا﴾ ".
قوله تعالى :﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾ أي ذنوبهم جمع وزر. ﴿عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾ مجاز وتوسع وتشبيه بمن يحمل ثقلا ؛ يقال منه : وزر يزر، ووزر يوزر فهو وازر ومزور ؛ وأصله من الوزر وهو الجبل. ومنه الحديث في النساء اللواتي خرجن في جنازة "ارجعن مزورات غير مأجورات" قال أبو عبيد : والعامة تقول :"مأزورات" كأنه لا وجه له عنده ؛ لأنه من الوزر. قال أبو عبيد : ويقال للرجل إذا بسط ثوبه فجعل فيه المتاع احمل وزرك أي ثقلك. ومنه الوزير لأنه يحمل أثقال ما يسند إليه من تدبير الولاية : والمعنى أنهم لزمتهم الآثام فصاروا مثقلين بها. ﴿أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ أي ما أسوأ الشيء الذي يحملونه.
٣٢- ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾