وكان هذا منهم نعتا بعد ظهور البراهين ؛ وإقامة الحجة بالقرآن الذي عجزوا أن يأتوا بسورة مثله، لما فيه من الوصف وعلم الغيوب. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ أي لا يعلمون أن الله عز وجل إنما ينزل من الآيات ما فيه مصلحة لعباده ؛ وكان في علم الله أن يخرج من أصلابهم أقواما يؤمنون به ولم يرد استئصالهم. وقيل :﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ أن الله قادر على إنزالها. الزجاج : طلبوا أن يجمعهم على الهدى أي جمع إلجاء.
٣٨- ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾
قوله تعالى :﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ﴾ وأصله الصفة ؛ من دب يدب فهو داب إذا مشى مشيا فيه تقارب خطو. ﴿وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ بخفض ﴿طَائِرٍ﴾ عطفا على اللفظ.
وقرأ الحسن وعبدالله بن إسحاق ﴿وَلا طَائِرٌ﴾ بالرفع عطفا على الموضع، و ﴿مِنْ﴾ زائدة، التقدير : وما من دابة. ﴿بِجَنَاحَيْهِ﴾ تأكيدا وإزالة للإبهام ؛ فإن العرب تستعمل الطيران لغير الطائر ؛ تقول للرجل : طر في حاجتي ؛ أي أسرع ؛ فذكر ﴿بِجَنَاحَيْهِ﴾ ليتمحض القول في الطير، وهو في غيره مجاز. وقيل : إن اعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران، ولو كان غير معتدل لكان يميل ؛ فأعلمنا أن الطيران بالجناحين و ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ﴾. والجناح أحد ناحيتي الطير الذي يتمكن به من الطيران في الهواء، وأصله الميل إلى ناحية من النواحي ؛ ومنه جنحت السفينة إذا مالت إلى ناحية الأرض لاصقة بها فوقفت. وطائر الإنسان عمله ؛ وفي التنزيل ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾. ﴿إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ أي هم جماعات مثلكم في أن الله عز وجل خلقهم، وتكفل بأرزاقهم، وعدل عليهم، فلا ينبغي