أن تظلموهم، ولا تجاوزوا فيهم ما أمرتم به. و ﴿دَابَّةٍ﴾ تقع على جميع ما دب ؛ وخص بالذكر ما في الأرض دون السماء لأنه الذي يعرفونه ويعاينونه. وقيل : هي أمثال لنا في التسبيح والدلالة ؛ والمعنى : وما من دابة ولا طائر إلا وهو يسبح الله تعالى، ويدل على وحدانيته لو تأمل الكفار. وقال أبو هريرة : هي أمثال لنا على معنى أنه يحشر البهائم غدا ويقتص للجماء من القرناء ثم يقول الله لها : كوني ترابا. وهذا اختيار الزجاج فإنه قال :﴿إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ في الخلق والرزق والموت والبعث والاقتصاص، وقد دخل فيه معنى القول الأول أيضا. وقال سفيان بن عيينة : أي ما من صنف من الدواب والطير إلا في الناس شبه منه ؛ فمنهم من يعدو كالأسد، ومنهم من يشره كالخنزير، ومنهم من يعوي كالكلب، ومنهم من يزهو كالطاوس ؛ فهذا معنى المماثلة. واستحسن الخطابي هذا وقال : فإنك تعاشر البهائم والسباع فخذ حذرك. وقال مجاهد في قوله عز وجل :﴿إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ قال أصناف لهن أسماء تعرف بها كما تعرفون. وقيل غير هذا مما لا يصح من أنها مثلنا في المعرفة، وأنها تحشر وتنعم في الجنة، وتعوض من الآلام التي حلت بها في الدنيا وأن أهل الجنة يستأنسون بصورهم ؛ والصحيح ﴿إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ في كونها مخلوقة دالة على الصانع محتاجة إليه مرزوقة من جهته، كما أن رزقكم على الله. وقول سفيان أيضا حسن ؛ فإنه تشبيه واقع في الوجود.
قوله تعالى :﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ أي في اللوح المحفوظ فإنه أثبت فيه ما يقع من الحوادث. وقيل : أي في القرآن أي ما تركنا شيئا من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن ؛ إما دلالة مبينة مشروحة، وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام، أو من الإجماع، أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب ؛ قال الله تعالى :﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ وقال :﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ وقال :﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ فأجمل في هذه الآية وآية ﴿النَّحْلِ﴾ ما لم ينص عليه مما لم يذكره، فصدق خبر الله بأنه ما فرط في الكتاب من شيء إلا ذكره، إما تفصيلا وإما تأصيلا ؛ وقال :﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾.


الصفحة التالية
Icon