وقال القتبي :﴿نُفَصِّلُ الآياتِ﴾ نأتي بها شيئا بعد شيء، ولا ننزلها جملة متصلة. ﴿وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ يقال : هذه اللام تتعلق بالفعل فأين الفعل الذي تتعلق به ؟ فقال الكوفيون : هو مقدر ؛ أي وكذلك نفصل الآيات لنبين لكم ولتستبين ؛ قال النحاس : وهذا الحذف كله لا يحتاج إليه، والتقدير : وكذلك نفصل الآيات فصلناها. وقيل : إن دخول الواو للعطف على المعنى ؛ أي ليظهر الحق وليستبين، قرئ بالياء والتاء. ﴿سَبِيلُ﴾ برفع اللام ونصبها، وقراءة التاء خطاب للنبي ﷺ، أي ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين. فإن قيل : فقد كان النبي عليه السلام يستبينها ؟ فالجواب عند الزجاج - أن الخطاب للنبي عليه السلام خطاب لأمته ؛ فالمعنى : ولتستبينوا سبيل المجرمين. فإن قيل : فلم لم يذكر سبيل المؤمنين ؟ ففي هذا جوابان ؛ أحدهما : أن يكون مثل قوله :﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ فالمعنى ؛ وتقيكم البرد ثم حذف ؛ وكذلك يكون هذا المعنى ولتستبين سبيل المؤمنين ثم حذف. والجواب الآخر : أن يقال : استبان الشيء واستبنته ؛ وإذا بان سبيل المجرمين فقد بان سبيل المؤمنين. والسبيل يذكر ويؤنث ؛ فتميم تذكره، وأهل الحجاز تؤنثه ؛ وفي التنزيل ﴿وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ﴾ مذكر ﴿لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ مؤنث ؛ وكذلك قرئ ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾ بالياء والتاء ؛ فالتاء خطاب للنبي ﷺ والمراد أمته.
٥٦- ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾
قوله تعالى :﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ قيل :﴿تَدْعُونَ﴾ بمعنى تعبدون. وقيل : تدعونهم في مهمات أموركم على جهة العبادة ؛ أراد بذلك الأصنام. ﴿لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ﴾ فيما طلبتموه من عبادة هذه الأشياء، ومن طرد من أردتم طرده. ﴿قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً﴾ أي قد ضللت إن اتبعت أهواءكم. ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ أي على طريق رشد وهدى.