وإنما لم يؤكل مخافة أن يكون قد أعان على قتله غير السهم من الهوام. الثالث : الفرق بين السهم فيؤكل وبين الكلب فلا يؤكل، ووجهه أن السهم يقتل على جهة واحدة فلا يشكل ؛ والجارح على جهات متعددة فيشكل، والثلاثة الأقوال لعلمائنا. وقال مالك في غير الموطأ : إذا بات الصيد ثم أصابه ميتا لم ينفذ البازي أو الكلب أو السهم مقاتله لم يأكله ؛ قال أبو عمر : فهذا يدلك على أنه إذا بلغ مقاتله كان حلالا عنده أكله وإن بات، إلا أنه يكرهه إذا بات ؛ لما جاء عن ابن عباس :"وإن غاب عنك ليلة فلا تأكل" ونحوه عن الثوري قال : إذا غاب عنك يوما كرهت أكله. وقال الشافعي : القياس ألا يأكله إذا غاب عنه مصرعه. وقال الأوزاعي : إن وجده من الغد ميتا ووجد فيه سهمه أو أثرا من كلبه فليأكله ؛ ونحوه قال أشهب وعبدالملك وأصبغ ؛ قالوا : جائز أكل الصيد وإن بات إذا نفذت مقاتله، وقوله في الحديث :"ما لم ينتن" تعليل ؛ لأنه إذا أنتن لحق بالمستقذرات التي تمجها الطباع فيكره أكلها ؛ فلو أكلها لجاز، كما أكل النبي ﷺ الإهالة السنخة وهي المنتنة. وقيل : هو معلل بما يخاف منه الضرر على آكله، وعلى هذا التعليل يكون أكله محرما إن كان الخوف محققا، والله أعلم
الرابعة عشرة- واختلف العلماء من هذا الباب في الصيد بكلب اليهودي والنصراني إذا كان معلما، فكرهه الحسن البصري ؛ وأما كلب المجوسي وبازه وصقره فكره الصيد بها جابر بن عبدالله والحسن وعطاء ومجاهد والنخعي والثوري وإسحاق، وأجاز الصيد بكلابهم مالك والشافعي وأبو حنيفة إذا كان الصائد مسلما ؛ قالوا : وذلك مثل شفرته. وأما إن كان الصائد من أهل الكتاب فجمهور الأمة على جواز صيده غير مالك، وفرق بين ذلك وبين ذبيحته ؛ وتلا :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ ﴾ قال : فلم يذكر الله في هذا اليهود ولا النصارى. وقال ابن وهب وأشهب : صيد اليهودي والنصراني حلال كذبيحته ؛ وفي كتاب محمد لا يجوز صيد الصابئ ولا ذبحه، وهم قوم بين اليهود والنصارى