الثالثة : قوله تعالى :﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾ أي تصديقا. فإن إيمان هذه الساعة زيادة على إيمان أمس ؛ فمن صدق ثانيا وثالثا فهو زيادة تصديق بالنسبة إلى ما تقدم. وقيل : هو زيادة انشراح الصدر بكثرة الآيات والأدلة ؛ وقد مضى هذا المعنى في "آل عمران". ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ تقدم معنى التوكل في "آل عمران" أيضا. ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ تقدم في سورة "البقرة". قوله تعالى :
﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً﴾ أي الذي استوى في الإيمان ظاهرهم وباطنهم. ودل هذا على أن لكل حق حقيقة ؛ وقد قال عليه السلام لحارثة :"إن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك" ؟ الحديث. وسأل رجل الحسن فقال : يا أبا سعيد ؛ أمؤمن أنت ؟ فقال له : الإيمان إيمانان، فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار والبعث والحساب فأنا به مؤمن. وإن كنت تسألني عن قول الله تبارك وتعالى :﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ - إلى قوله - أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً﴾ فوالله ما أدري أنا منهم أم لا. وقال أبو بكر الواسطي : من قال أنا مؤمن بالله حقا ؛ قيل له : الحقيقة تشير إلى إشراف واطلاع وإحاطة ؛ فمن فقده بطل دعواه فيها. يريد بذلك ما قاله أهل السنة : إن المؤمن الحقيقي من كان محكوما له بالجنة، فمن لم يعلم ذلك من سر حكمته تعالى فدعواه بأنه مؤمن حقا غير صحيح.
الآية : ٥ ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾
قوله تعالى :﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ﴾ قال الزجاج : الكاف في موضع نصب ؛ أي الأنفال ثابتة لك كما أخرجك ربك من بيتك بالحق. أي مثل إخراجك ربك من بيتك بالحق. والمعنى : امض لأمرك في الغنائم ونفل من شئت وإن كرهوا ؛ لأن بعض