" صفحة رقم ٥٦ "
كما لا محل للكاف في أرأيتك وليست بأسماء مضمرة وهو مذهب الأخفش وعليه المحققون واما ما حكاه الخليل عن بعض العرب اذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب فشيء شاذ لا يعول عليه وتقديم المفعول لقصد الاختصاص كقوله تعالى
) قل أفغير الله تأمروني أعبد ( الزمر ٦٤
) قل أغير الله أبغي ربا ( الأنعام ١٦٤
والمعنى نخصك بالعبادة ونخصك بطلب المعونة
وقرىء ( إياك ) بتخفيف الياء وإياك بفتح الهمزة والتشديد وهياك بقلب الهمزة هاء
قال طفيل الغنوي
( فهياك والأمر الذي إن تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره )
والعبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل
ومنه ثوب ذو عبدة اذا كان في غاية الصفاقة وقوة النسج ولذلك لم تستعمل الا في الخضوع لله تعالى لأنه مولى أعظم النعم فكان حقيقا بأقصى غاية الخضوع
فإن قلت لم عدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب قلت هذا يسمى الالتفات في علم البيان قد يكون من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى التكلم كقوله تعالى
) حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ( يونس ٢٢ وقوله تعالى
) والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه ( فاطر ٩
وقد التفت امرؤ القيس ثلاث التفاتات في ثلاثة أبيات
( تطاول ليلك بالأثمد
ونام الخلي ولم ترقد )
( وبات وباتت له ليلة
كليلة ذي العائر الأرمد )
( وذلك من نبإ جاءني وخبرته عن أبي الأسود )
وذلك على عادة افتنانهم في الكلام وتصرفهم فيه ولأن الكلام اذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع وايقاظا للإصغاء اليه من إجرائه على أسلوب واحد وقد تختص مواقعه بفوائد
ومما اختص به هذا الموضع انه لما ذكر الحقيق بالحمد وأجرى عليه تلك الصفات العظام تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالثناء وغاية الخضوع والاستعانة في المهمات فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك