" صفحة رقم ١٢٣ "
فجعلوهم عائدين جميعاً، إجراءً للكلام على حكم التغليب. وعلى ذلك أجرى شعيب عليه السلام جوابه فقال :) إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا ( وهو يريد عود قومه، إلاّ أنه نظم نفسه في جملتهم وإن كان بريئاً من ذلك إجراء لكلامه على حكم التغليب. فإن قلت : فما معنى قوله ) وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ ( والله تعالى متعال أن يشاء ردّة المؤمنين وعودهم في الكفر ؟ قلت : معناه إلاّ أن يشاء الله خذلاننا ومنعنا الألطاف، لعلمه أنها لا تنفع فينا وتكون عبثاً. والعبث قبيح لا يفعله الحكيم، والدليل عليه قوله :) وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْء عِلْمًا ( أي هو عالم بكل شيء مما كان وما يكون، فهو يعلم أحوال عباده كيف تتحوّل، وقلوبهم كيف تتقلب ؛ وكيف تقسو بعد الرقة، وتمرض بعد الصحة، وترجع إلى الكفر بعد الإيمان ) عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ( في أن يثبتنا على الإيمان ويوفقنا لازدياد الإيقان. ويجوز أن يكون قوله :) إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ ( حسماً لطمعهم في العود، لأن مشيئة الله لعودهم في الكفر محال خارج عن الحكمة ) أَوْ لَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ( الهمزة للاستفهام، والواو واو الحال، تقديره : أتعيدوننا في ملتكم في حال كراهتنا، ومع كوننا كارهين. وما يكون لنا، وما ينبغي لنا. وما يصحّ لنا ) رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا ( احكم بيننا. والفتاحة ؛ الحكومة، أو أظهر أمرنا حتى يتفتح ما بيننا ) وَبَيْنَ قَوْمِنَا ( وينكشف بأن تنزل عليهم عذاباً يتبين معه أنهم على الباطل ) وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ( كقوله :) وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ( ( الأعراف ٨٧ ).